.. منذ النداء الخالد "وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ...."، ومنذ الدعوة الإبراهيمية "فاجْعَلْ أفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إلَيْهِمْ...."، ومكة المكرمة مثار الشوق ومقصد الهوى يأتيها الناس من كل فج عميق.
التهليل والتكبير هو بوح العاشق الملهم، والشغف حالة من الخلود كخلود النداء والدعوة، (فليس لأحد من أهل الإسلام إلا وهو يحن إلى رؤية الكعبة والطواف)...
*****
.. قال الأجداد:
من حلوق الأودية وفي مداءات البيد، كانت القوافل تتقاطر، يأخذها الشوق ويحفها الحنين، وصوت الحادي يسري في الليالي، فيهفو بالأرواح الى أقدس البطاح...
*****
.. وفي كافة أصقاع العالم للحج حكاية لا تقل إثارة.. سنوات وسنوات وهم يجمعون ويستعدون وينتظرون، وحين يتحقق حلمهم الأكبر لا تسعهم الدنيا من الفرح، زغاريد ودموع واحتفاء، وأرواح تسابق الزمن إلى المشاعر المقدسة...
*****
.. على منافذ المملكة تشهق الأرواح وهي تستقبل نسائم أرض الطهر، تتسابق الخطوات والعبرات، ويسبقها الشوق إلى رؤية البيت العتيق، مشاهد ملهمة يصعب أن تستوعبها لوحة رسام بارع...
*****
وعلى مشارف طيبة الطيبة، يستنهض الراحلون أشواقهم، وكأنهم يستعيدون الصدى الحاكي في لقاء أشرف الخلق.. "طلع البدر علينا"، وعند الحجرة الشريفة ألقى المحبون على حبيبهم السلام والأرواح ونزف المحاجر...
*****
.. وحان لقاؤهم الأعظم، وهم يقفون على أعتاب أبواب الحرم.. إنها الرؤيا التي طالما حلموا بها، مشهد مهيب في رحاب الجمال والجلال، طافت الأرواح وتزاحمت العبرات وتعالت الأصوات...
*****
.. وعلى صعيد عرفات، وعند المشعر الحرام، وفي رحاب منى، كانت رحلة نسك عاشوها بكل تفاصيلها الروحانية...
*****
.. انتهت الرحلة ولم تنته المآثر والأثر، ستظل تسكن ذاكرتهم ووجدانهم.. استودعوا مكة وفي دواخلهم نوازع فرح الشعيرة وألم الفراق.. "عودة.. يا مكة عودة"، تولوا وأعينهم تفيض من الدمع، إنه الأذان الخالد ودعوة إبراهيم عليه السلام...
*****
.. بقي أن أقول:
حفظ الله هذه البلاد المباركة، التي نذرت نفسها لخدمة ضيوف الرحمن، وبذلت في سبيل ذلك النفس والنفيس، لتكون الرحلة ميسرة، آمنة، مطمئنة.