أيام زمان؛ كانت لجلسة "الخارجة" مكانة خاصة للكبار والصغار.. الخروج "بَرَا" بعد المغرب كان يتميز بالجو اللطيف، والهدوء، وكأنه الملاذ الطبيعي لتجنُّب عناء اليوم، وبالذات بخلفية لون السماء الأسود الجميل الذي تضيئه آلاف الكواكب والنجوم القريبة والبعيدة.. والأهم من ذلك أنها تُذكِّرنا بعظمة خلق الله.. وإن بحثت في وصف تلك الصور، فستجد أن من أجمل أوصاف صور السماء والنجوم هي تلك التي وصفها رواد الفضاء في رحلاتهم، فالسماء من الفضاء لها خصائص تختلف تماماً عن ما نراه من الأرض.. لونها الأسود لا يقارن بما نرى من على سطح كوكبنا، وأشكال النجوم وسطوعها تختلف أيضاً، لأن الغلاف الجوي يضع عوائق بصرية كثيرة تحرمنا من رؤية الصورة الحقيقية للفضاء. ومن الطرائف أن أول رحلة فضاء مأهولة - والتي حملت رائد الفضاء السوفيتي "يوري جاجارين" في 12 أبريل 1961 على متن المركبة "فستق 1" - انتهت بطريقة عجيبة، لأن الرائد ترك المركبة، وهبط بالمظلة بعد دخوله للغلاف الجوي، فرأي السماء من منظورين مختلفين.. الفضائي الأسود وبعدها مباشرة الأرضي الأزرق.. وكانت هذه النهاية الغريبة ضمن تصميم منظومة الرحلات الفضائية السوفيتية آنذاك.. واستمر الحال إلى رحلة الرائدة السوفيتية "فالنتينا تريشكوفا" في مركبتها "فستق 6" في 6 يونيو 1965، وقد قفزت بالمظلة من مركبتها بعد دخولها الغلاف الجوي الأرضي.. وكلاهما وصفا ذهولهما برؤية سواد السماء، وبريق النجوم وكثرتها من مركبتيهما، ثم التغيُّر الكبير في تلك الصور الجميلة أثناء هبوطهما بالمظلات.. وأما الرائد السوفيتي "اليكسي ليونيف"، فقد قام في أبريل 1965 بأول سباحة فضائية في التاريخ، فكانت تجربته مذهلة في جمالها وخطورتها.. سبح حوالى 12 دقيقة.. يعني غطى مسافة تعادل المسافة تقريباً من جدة إلى لندن.. وبالرغم أن تلك السباحة الفضائية كانت صعبة، وخطرة جداً، إلا أنه لم يغفل عن جماليات السماء المرصعة بالنجوم الجميلة، لدرجة أنه طوّل فترة سباحته الفضائية.. وكان لي الشرف في الحديث مع الرجل أثناء زيارته للرياض منذ حوالى 12 سنة.. وكانت تجربة سباحة الرجل الثاني في الفضاء؛ مشابهة، وتحديداً عندما خرج الرائد الأمريكي "إد وايت" من مركبته من طراز "جيمني 4" بتاريخ 3 يونيو 1965 إلى الفضاء، انبهر لدرجة أنه رفض أن يعود لمركبته، إلى أن تلقَّى الأوامر الصارمة بالعودة.. واليوم تستمر السباحة الفضائية بأنماط جديدة، وأنشطة متقدمة، تشمل فترات تصل إلى أكثر من دوام يوم عمل كامل.. ثماني ساعات أو أكثر قليلاً في بيئة صعبة تتراوح فيها درجة الحرارة من حوالى ستين درجة تحت الصفر إلى مائة وخمسين درجة فوق الصفر.. يعني أقل من درجة حرارة "الفريزر" إلى ما يفوق أقصي درجة حرارة فرن "المايكروييف" في مطبخك.. وهناك المزيد من المخاطر، ومنها ضغط الهواء شبه المنعدم، والجاذبية المنخفضة، والإشعاعات، وكراكيب الفضاء.. وللعلم، ففوائد السباحة الفضائية كثيرة للرحلات، ومنها تركيب المنشآت الفضائية، والصيانة، والترميمات للمركبات، وبالذات لمحطة الفضاء الدولية.. وهناك أيضاً أنشطة البحث العلمي المختلفة.
* أمنيـــــــة:
إجمالي عدد رواد الفضاء عبر التاريخ هو ستمائة إنسان.. وعدد الذين طلعوا "برا" المركبات لممارسة السباحة الفضائية هم حوالى مائتين وخمسين فقط.. وكلهم بدون استثناء انبهروا بلون السماء الداكن، الذي يختلف تماماً عمَّا نرى من سطح الأرض.. وكلهم شهدوا على جمال النجوم بأضوائها، وبريقها، وعددها، علماً بأن الله عز وجل قد أقسم بمواقعها في القرآن الكريم في سورة الواقعة.. أتمنى أن نتذكر أن عظمة الخلق متوفرة لكل الناس في كل مكان على اليابسة، وفي البحر، والسماء، على كوكبنا و"برا" الأرض.. حاول أن تستمتع الليلة وكل ليلة بهذه الصور المذهلة، فهي من أجمل نعم الله، وهو من وراء القصد.