الدكتور سعد الصويان في كتابه (الشعر النبطي: ذائقة الشعب وسلطة النص) يقول:
«أقرب الحواس إلى الشعر هي حاسة السمع، التي ترتبط بالإلقاء والإنشاد والغناء، ولذلك لا يُستغرب أن يلجأ شعراء النبط في حديثهم عن الأوزان الشعرية إلى مصطلحات موسيقية تتعلق بغناء الشعر وألحانه وإيقاعاته، حينما يريد الشاعر أن يتأكد من سلامة وزن البيت، فإنه يرفع به عقيرته، يُغنْيه، لا يقطّعه، وهو لا يسأل عن بحر القصيدة، وإنما عن «شيلة» القصيدة أو «طَرق» القصيدة، وكلمة «شيلة» مُشتقة من «شال» بمعنى «رفع»، وتُعبر عن رفع الصوت بالغناء، وكلمة «طَرْق» تُفيد معنى القرع المتكرر بانتظام، أي الموقع».
لذلك ارتبط بدو الجزيرة العربية تاريخياً بالحِداء «الهجيني»، والأهازيج والدحّة والفرينسي، وغيرها من الفنون التي منحت الكلمة الشعرية لحناً موسيقياً «صوتياً» قبل دخول الآلات الموسيقية، والبرمجة الصوتية في عصرنا الحديث، وكانت تُعبّر عن الحالة المزاجية للفئة المُجتمعية، استنهاض الفئة أو فرح أو استعداد لحرب، جميعها تصب في خانة أنها تشحذ الهمم.
في السنوات الأخيرة برز فن الشيلات مع تطور أدوات البرمجيات الصوتية، وتزايد أعداد الاستديوهات المتخصصة في هذا المجال، وبدأت تتكاثر الشيلات وتتنوع استخداماتها، وتجاوز تأثيرها بلدان الخليج العربي، ليصل لكثير من دول المنطقة العربية، وليصبح سفيراً لفنهم بين الأمم.
ولمعرفة أثر هذه الشيلات اجتماعياً، قد تكون انتخابات مجلس الأمة الكويتي الأخيرة أكثر حدث تم استخدام الشيلات فيه كدعاية انتخابية، ولدفع الناخبين لانتخاب الشخص عبر تسخير الكلمات الحماسية واللحن المؤثر، ليزداد الأثر في نفوسهم.
وكمثال، تعتبر شيلة عضو مجلس الأمة الحالي «بدر سيّار الشمري» الأكثر شعبية، وتجاوز تأثيرها حدود الكويت، ليصل لكافة بلدان الخليج، وقد كانت الكلمات الحماسية واللحن الذي جعلها تحصل على «الترند» في وسائل التواصل الاجتماعي سبباً مُهماً في تحفيز الناخبين، للوقوف مع مرشحهم عبر التأكيد على روابط الدم، التي تجمع المرشح بهم، وأهمية إيصاله للمجلس ليُمثلهم، وهو ما حدث من خلال تفاعل منقطع النظير.
أخيراً..
من الجيّد أن نستثمر هذه القوة الناعمة إعلامياً، ونُعزز من قُدرتها على أن تكون سفيراً دائماً لهويتنا، ومحل التقاء ثقافي يجمعنا بالآخرين.