(وَأَذِّن فِي النَّاسِ)، شعار اتخذته وزارة الحج والعمرة لموسم حج ١٤٤٤هـ، وقد أحسنت صنعاً بهذا الشعار لتذكير الناس بأصل الدعوة الإبراهيمية في الحج؛ فقد فُرض الحج منذ أن نزلت الآية الكريمة: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)، فقال إبراهيم عليه السلام: وما يبلغ وصوتي؟، فقال: عليك الأذان وعلينا البلاغ، فقام إبراهيم على المقام وأذن وقال: يا أيها الناس إن الله قد بنى لكم بيتاً وكتب عليكم الحج إليه. ومنذ ذلك الحين يحج إلى بيت الله الحرام أقوام من أصقاع شتى، يأتون مهللين مكبرين.. فالله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا على ما أتم على حجاج بيت الله الحرام من النعم العظيمة في أداء نسكهم، ولأعظم فرائض الإسلام، وهو الحج.
وما أجمل هذا الدين العظيم الذي يجمع سكان العالم في بقعة لا تتجاوز 33 كيلومتراً، ما بين منى وعرفات والمزدلفة.. يجمعهم بألسنة، وأجناس، وأعراق، ومذاهب شتى، توحدهم كلمة «لا إله الا الله، محمد رسول الله»، وفي مشعر عرفات ذلك المشهد العظيم لملايين الحجاج الواقفين تحت أشعة الشمس في ملابس بيضاء، تُذكِّر بالآخرة والتجرد من الدنيا.
(وَأَذِّن فِي النَّاسِ)، هو إعلان التفاني للدولة السعودية في خدمة ضيوف الرحمن، وتوفير كافة الإمكانات، واستنفار لكل أجهزة الدولة لتكون الاستعدادات على قدمٍ وساق. نعم يأتي الحاج إلى مهوى الأفئدة وهو متعطش لكل ركن من أركانه في البيت الحرام، وفي المشاعر المقدسة، وفي زيارة مسجد رسوله الكريم، ليجد نفسه على أكف الراحة، فالدولة السعودية وبتوجيهات القيادة الحكيمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظه الله وسمو وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان وإشراف مباشر من سمو أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل وسمو أمير منطقة المدينة المنورة فيصل بن سلمان، تتحرك كافة قطاعات الدولة لخدمة حجاج بيت الله الحرام.
ولعل ذكر جهود الدولة السعودية في هذا الحيز لا يوفيها حقها، ولكنها بصمات نفخر بها ونوجزها ومنها: مبادرة (طريق مكة)، التي استفاد منها هذا العام حجاج سبع دول، والآلاف من الحجاج. كما تم إصدار حوالى مليون و800 ألف تأشيرة إلكترونية للحج في وقتٍ قياسي في موسم هذا العام 1444هـ؛ من خلال منصة وزارة الخارجية الإلكترونية عبر التكامل الإلكتروني مع وزارة الحج والعمرة، بمنظومة تكاملية لا يوجد مثيل لها في العالم.
كما أن استخدام الخدمات التقنية: مثل (نسك)، لتسجيل باقات الحج في المسارات الإلكترونية؛ واختيار نوع الباقة والدفع لكامل رحلة الحج، إلى جانب توفير كافة الخدمات التي يتعرف عليها الحاج من التغذية والسكن والنقل؛ حيث تتكامل فيها كافة الإجراءات من عدة قطاعات. كل ذلك ساهم في اختصار الكثير من الوقت والجهد في رحلة الحاج. بل إن (بطاقة الحاج الذكية) والتي تحتوي على بيانات الحاج ومعلوماته الشخصية والطبية والسكنية، ويمكن قراءتها عن طريق الأجهزة الذكية، ساهمت في إرشاد الحجاج التائهين والتحكم في الدخول في المخيمات في المرافق العامة، وكذلك تقديم الشكاوى للجهات المعنية، وقياس رضا الحجاج عن الخدمات من خلالQ code.
ناهيك عما تقوم به وزارة الصحة من الخدمات الطبية الفائقة، وعمليات جراحية وعمليات القسطرة والقلب المفتوح لآلاف من الحجاج، وما استحدثت من العيادات الطبية المتنقلة المجهزة بكافة الأجهزة الطبية، والطواقم الفنية المتخصصة، وتوفير الأدوية والإسعافات لنقل المرضى في الحالات الطارئة.
وهناك أجهزة الأمن العام بكافة قطاعاته، وما تقوم به لحفظ أمن الحجاج وسلامتهم، وما قامت به وبإشراف من سمو وزير الداخلية الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف في الاستعراض العسكري للقوات الأمنية المشاركة في الحج من كافة القطاعات، وهي مظهر من مظاهر الاستعداد التام من الدولة السعودية في النواحي الأمنية المختلفة.
فإذا أضفنا إلى ذلك ما تقوم به شركات تقديم الخدمات من جهود جبارة لتقديم كافة الخدمات من: النقل، والاستقبال، والضيافة، وكذلك خدمات المشاعر المقدسة في أوقات الذروة وضمن تحديات الازدحام، مع تطبيق الجودة في الخدمات رغم التحديات الكبيرة؛ لأدركنا ما تقوم به من جهود جبارة لإنجاح الحج.
كما أن خدمات المسجد الحرام، «درة الخدمات»، وما يقدم فيها من تطهير ونظافة ليل نهار، وإدارة للحشود التي تفد بمئات الآلاف يومياً، وترجمة خطب الجمعة والعيد وعرفة بحوالى 20 لغة، واستخدام الذكاء الاصطناعي في الرد على أسئلة واستفسارات الحجاج، بالإضافة إلى جهود المتطوعين والمتطوعات والكشافة السعودية، لهي أعمال فخر للدولة السعودية.