يقولون في علم النفس: إن الكذبة يمكن أن تصبح حقيقة إذا تكررت بما فيه الكفاية، وهذا صحيح، ليس على المستوى الجمعي فقط، بل وعلى المستوى الشخصي أيضًا، حيث يمكن أن يكون الأثر أكبر وأخطر، فثمة أوهام يعتنقها الإنسان لمجرد أنها تريحه وتشعره بالسعادة، فتصبح جزءًا من تركيبته العقلية والنفسية، وعائقًا حقيقيًا أمام تقدمه في الحياة، وغالبًا ما يُشار إلى هذه الأكاذيب باسم «الحقائق الواهمة».
حديثنا اليوم عن ثلاث من أخطر الأكاذيب التي قد يخلقها الإنسان لنفسه، ربما دون أن يدرك، ولأن العقل البشري لا يفرق في أحيانٍ كثيرة بين ما هو حقيقي وخيالي، فإنه قد يتعامل معها كحقائق، ولا يكتشف أنها تشكل لصاحبه معظم الضغوط النفسية، ومشاكله في الحياة!.
الكذبة الأولى - «أنا مشغول»:
هل لاحظت أننا نؤجل كثيراً من الأعمال، وربما نلغيها بحجة مشغولياتنا؛ وعدم وجود متسع من الوقت لدينا؟! الحقيقة أننا نؤجل الأعمال التي لا نحبها، وليست من أولوياتنا فقط.. الأمر يتعلق بعدم الرغبة أكثر من عدم وجود الوقت، فنحن نشعر أن العمل أو الشخص صاحب العمل ليس مهمًا بما يكفي؛ لنعطيه وقتنا واهتمامنا، لذلك، نعتذر لأنفسنا بهذه الكذبة. كأن يطلب منك طفلك مثلًا أن تأخذه إلى مكان ما، فترفض بحجة المشغولية، بينما لو دعاك مديرك إلى حفل عشاء، ستوافق لأنك ستشعر أنه تكليف عمل ومصلحة، والحقيقة أن الأولويات هي من تغيرت، وليس الوقت.. تأكد أننا غالبًا ما نستخدم هذه الكذبة للهروب من المواقف غير المرغوبة، والمشكلة أننا أصبحنا مؤمنين حقًاً أننا مشغولون بالفعل من خلال تكرارنا لهذه الكذبة.. ولو سألنا أنفسنا بتجرد : «ما هو الشيء الحقيقي الذي يجب أن يشغلني؟، وهل أحتاج إلى تغيير في روتيني اليومي؟، سنكتشف الحقيقة، وسنتمكن من إعادة ترتيب أولوياتنا، ومحو هذه الكذبة من أدمغتنا نهائيًا.
الكذبة الثانية - «أنا لا أعرف ما يجب عليّ فعله!»:
لكل إنسان قدراته ومهاراته المتفردة. لكن الأغلبية منّا لا يعرفون نقاط قوتهم التي تميزهم، لذلك يفشلون، والأدهى عندما يوقعون أنفسهم في «فخ المقارنات»، و»ما سيفكر به الآخرون عنهم»، نظراً للتبعية والتقليد وجهلهم بإمكانياتهم.
أعجبتني ذات مرة عبارة للملياردير الأمريكي «وارن بافيت» يقول فيها: «المخاطرة تأتي من عدم معرفتك بما تفعله»، وكأنه يشير إلى هذه الفئة، فمن يعرف قدراته جيدًا لن يشعر أنه يخوض مغامرة أو مخاطرة لثقته في إمكاناته.. لكن تصديق هذه الكذبة واعتناقها كحقيقة؛ ستجعلك أكثر اعتمادًا على الآخرين، وربما تريحك قليلاً، لأنها تمنحك - مجالًا - الهروب من تحمل أي مسؤولية شخصية.
«الحياة سلسلة من التجارب»، ولولا الأخطاء لما تعلم الإنسان، لا تهتم كثيرًا لما يمكن أن يقوله الآخرون عنك.. تعرف على نفسك، على نقاط قوتك وضعفك، وقبل ذلك؛ توقف تمامًا عن ترديد أسطوانة: (أنا لا أعرف شيئًا)، فاستخدام هذه الكذبة. يجعل عقولنا ضعيفة بالفعل، وعاجزة عن القيام بشيء مبدع ومختلف.
الكذبة الثالثة - «لا يمكنني الاستغناء عن ....»:
وهذه كذبة أخرى نُروِّجها عشرات المرات في اليوم الواحد، ومع ألف شيء تقريبًا (التدخين، الجوال، وسائل التواصل، القهوة، الطعام السيء... الخ)، إنها استسلام في الغالب لعادة سيئة لا نريد الإقلاع عنها، وكأننا نهيِّئ عقولنا وأجسادنا للانقياد والرضوخ لأهوائنا ونقاط ضعفنا.. حتى الاعتماد على الأشخاص، يصبح أحيانًا نوع من العلاقة التبعية الضارة، مثل اعتماد بعض الأبناء على والديهم أو على أساتذتهم أو على الخدم.. أليس كل هذا عادات سامة؟!.
توقف عن ترديد هذا التعبير الكاذب، فأنت تستطيع فعل كل ما تريد، وإذا لم تتعلم الاعتماد على نفسك، فسيعلمك الوقت ذلك حتمًا.
الأوهام المتكررة التي تحفر خندقًا عميقًا في عقولنا؛ وتؤثر على تصرفاتنا، وأساليب حياتنا، لا تقل خطورة عن الأكاذيب، بل هي أشد أحيانًا، لذلك يجب أن نحرص على تفهّم وتحليل ما نقوله ونردده، ليس لمن حولنا فقط، بل ولأنفسنا وعقولنا أيضًاً.