Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. محمد أحمد بصنوي

حجر الزاوية في نجاح موسم الحج

A A
وصل عدد الحجاج هذا العام لـ1.8 مليون نسمة، أي ما يوازي عدد سكان دولة كاملة بأطفالها ونسائها ورجالها وشيوخها تؤدي المناسك في وقت واحد، وتفعل كل شيء تقريبًا في وقت واحد، وتأمينهم وضمان سلامتهم تعجز عنه أكبر وأعتى الدول تقدمًا، فتأمين هذا التجمع البشري الذي يعد الأكبر من نوعه على كوكب الأرض، في حاجة إلى تخطيط وجهد ودقة ومتابعة عن قرب، فسلامة هذا العدد الضخم لا يمكن أن تحدث مصادفة، فأكاد أجزم بأنه لا توجد دولة في العالم قادرة على تأمين هذا العدد وضمان سلامته إلا المملكة، بفضل ما تمتلكه من خبرات وجاهزية عالية، وتسخير لكل الإمكانيات المادية والبشرية، لخروج هذا الحدث الفريد بهذا الشكل الرائع.

تعمل الداخلية على تنظيم وتأمين الحج، من خلال منظومة حكومية بالغة الدقة، تبدأ بتوزيع التأشيرات وتنظيم رحلات الحج، وتسهيل وصول الحجاج إلى المملكة العربية السعودية، وتنظيم النقل والإقامة وتوفير الخدمات الأساسية للحجاج خلال فترة إقامتهم في البلاد.

وبسبب الخطط المحكمة لوزارة الداخلية، اكتملت عمليات التفويج والتصعيد إلى مشعر عرفات بنسبة التزام تجاوزت 98%، وذلك وفقًا للعدد المستهدف من وسائل النقل، وهو 20 ألف حافلة بأنماط النقل كافة وهي الترددي، والتقليدي، بالإضافة إلى استخدام الطاقة الكاملة لنقل الحجاج عبر قطار المشاعر المقدسة، وحددت قوات الأمن السعودية نقاط دخول وخروج من المنطقة الجبلية الواسعة، وحلقت الطائرات المروحية، وانتشر رجال الأمن يحملون مظلات بيضاء في أرجاء المكان، ونيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز رعاه الله، وصل ولي العهد ايده الله الأمير محمد بن سلمان إلى منى، لتفقد الحجاج والوقوف على جودة الخدمات المقدمة.

دور الداخلية لا يتعلق فقط بتأمين الحج، والحرص على السلامة الجسدية للحجاج، بل أيضا تأمين الحجاج من محاولة النصب عليهم، وإيهام البعض منهم بإمكانية الحج عن طريق المخالفة للإجراءات المتبعة، على خلاف الواقع، وفي هذا الإطار نجحت الداخلية في ضبط 105 حملات حج وهمية في مختلف مناطق المملكة، والقبض على القائمين عليها، وإحالتهم إلى النيابة العامة، بحسب بيان للأمن العام، ونجحت الجهات الأمنية في ضبط 17615 شخصًا لا يحملون تصاريح حج نظامية، من بينهم 9509 مخالفين لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود، والقبض على 33 ناقلاً لأشخاص لا يحملون تصاريح حج نظامية، وإحالتهم إلى اللجان الإدارية الموسمية بالمديرية العامة للجوازات في مداخل العاصمة المقدسة، لتطبيق الأنظمة بحقهم.

البعض يعتقد من خلال نظرته السطحية بأن الأجهزة الأمنية تقوم بالقبض على بعض المخالفين للإجراءات كنوع من التعقيد والروتين الزائد، فلماذا لا يتم السماح لأي شخص بالقدوم للحج، أو العمرة والقيام بالركن الأعظم في الإسلام؟ وهو سؤال وجيه لمن يُسطحون الأمور، أو لمن لا يفهم بأن الحج بدون تصاريح، قد يسبب وجود أعداد كبيرة من الحجاج بصورة خارجة عن الخطط الموضوعة لإدارة الحج، مما قد يُسهم في وقوع الكثير من الكوارث، ويمس بسلامة وأمن الحجاج، خلاف أنه يُؤدي إلى خروج الأمور عن السيطرة، والعشوائية المطلقة، وهذا الأمر لم ولن تسمح به المملكة.

تعمل قوات الأمن بدون كلل على تسهيل اجراءات القيام بالحج، وفي هذا الإطار أطلقت مباردة "طريق مكة" بهدف استقبال ضيوف الرحمن، وإنهاء إجراءاتهم من بلدانهم بسهولة ويسر، بدءًا من إصدار التأشيرة إلكترونيًّا وأخذ الخصائص الحيوية، ومرورًا بإنهاء إجراءات الجوازات في مطار بلد المغادرة، بعد التحقق من توافر الاشتراطات الصحية، إضافة إلى ترميز وفرز الأمتعة وفق ترتيبات النقل والسكن في المملكة، وعند وصولهم ينتقلون مباشرة إلى الحافلات لإيصالهم إلى مقار إقامتهم في مكة المكرمة والمدينة المنورة، بمسارات مخصصة، في حين تتولى الجهات المختصة إيصال أمتعتهم إلى مساكنهم، وتعتبر المبادرة ضمن برنامج خدمة ضيوف الرحمن أحد برامج رؤية السعودية 2030 في دولتين جديدتين للمرة الأولى هما تركيا وكوت ديفوار، وطبقت المبادرة أعمالها هذا العام في 7 دول هي: المغرب، إندونيسيا، ماليزيا، باكستان، بنجلاديش، ولأول مرة في جمهوريتي تركيا وكوت ديفوار، وشهدت مبادرة «طريق مكة»، التي تنفذها وزارة الداخلية، بالتعاون مع الجهات الشريكة خدمة 242 ألف حاج، وفقًا للهيئة العامة للإحصاء السعودية، وبلغ عدد الرحلات في صالات المبادرة، إلى مطاري الملك عبدالعزيز الدولي بجدة والأمير محمد بن عبدالعزيز الدولي بالمدينة المنورة 667 رحلة.

دور وزارة الداخلية لا يقتصر فقط على موسم الحج، ولكنه مستمر بدون انقطاع للحفاظ على سلامة الوطن والمواطن وكل من يعيش على أرض المملكة من كافة الأخطار، خاصة من خطر المخدرات، التي تستهدف شبابنا ومستقبلنا، ففي شهر مايو الماضي نجحت قوات الأمن في إحباط محاولة تهريب كمية من حبوب الكبتاغون بلغت 1.3 مليون حبة، عُثر عليها مُخبأة بصورة خبيثة في ألواح خشبية، وفي أبريل الماضي، نجحت قوات الأمن في إحباط محاولة أخرى لتهريب أكثر من 12.7 مليون قرص من مادة الإمفيتامين المخدر مخبأة في شحنة فاكهة الرمان عبر ميناء جدة الإسلامي، وفي نفس الشهر ضبط أكثر من 3.6 مليون قرص من مادة الإمفيتامين المخدر مخبأة في شحنة بطاطا، ومؤخرا احبطت محاولة تهريب اكثر من 170 ألف حبة كبتاجون في إرسالية نحل بمطار الملك عبدالعزيز الدولي، وإحباط تهريب داخل أحشاء بعض المهربين لأكثر من 3 كيلوغرامات من مادة الكوكايين المخدرة، عُثر على تلك الكمية مُخبأة في أحشائهم، وفي الوقت نفسه، أعلنت الدوريات البرية لحرس الحدود في قطاع الحرث بمنطقة جازان، إحباط تهريب 100 كيلوغرام من نبات القات المخدر، ما سبق ذكره يؤكد بأن المملكة تخوض حربًا حقيقة ضد تجار المخدرات، وبأن المملكة مستهدفة لتدمير الجيل لحالي من الشباب، ولكن هيهات هيهات، فأمن المملكة يقف بالمرصاد لتلك المحاولات، ويقف حائلاً ضد دخول المخدرات بكل أنواعها، وبهذه الكميات المهولة، فما تم ذكره هي محاولات لإدخال ملايين الأقراص المخدرة في مدة لا تزيد عن 3 شهور فقط، فماذا كانت النتيجة المتوقعة إذا غفل رجال الأمن معاذ الله، ودخلت هذه المواد؟، بالتأكيد النتيجة هي ضياع جيل بأكمله.

ونحمد الله أن ولاة الامر لهذا البلد العظيم يسعون جاهدين بأن يكون هذا الوطن بلا مخدرات، فهي آفة تحصد الأخضر واليابس ولا تبقي ولا تذر.

وأخيرًا وليس آخرًا، فلا أجد سوى توجيه الشكر لوزارة الداخلية بقيادة الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف بن عبدالعزيز، وزير الداخلية ورئيس لجنة الحج العليا، على جهده في حفظ أمن المملكة من كافة المخاطر، وتنفيذ توجيهات خادم الحرمين وولي عهده حفظهما الله، وعلى نجاح موسم الحج بهذا الشكل الحافل والرائع، وفي بداية المقال كان يُراودني سؤال في ذهني يتمثل: كيف تنجح وزارة الداخلية دوماً في إدارة موسم الحج بهذا الشكل؟، ولكن بعد اطلاعي على الكثير من المعلومات الخاصة بحجم الجهد الذي بُذل لخروج هذا الانجاز للنور، أصبح هناك سؤال آخر يبادر إلى ذهني، وهو لماذا لا تنجح وزارة الداخلية في تأمين موسم بهذه الصورة وبهذه الكيفية؟، فالداخلية تمتلك رجالاً قادرين على حمل ما لا تحمله الجبال، فهي حجر الزاوية في نجاح موسم الحج في كل الأعوام.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store