مملكتنا الحبيبة بها (١٣) منطقة، تتناثر بين مناطقها (١١٤) محافظة، بها مدن كبيرة جدًا تعادل الواحدة منها فقط ثلاث أو أربع دول من حيث المساحة وعدد السكان، لذلك يبدو للبعض أن عدد الجمعيات الخيرية بتنوعها الاجتماعي والصحي والتعليمي والثقافي والديني كبير وكثير، ولكن في حقيقة الأمر غير ذلك إذا تمت مقارنة ذلك بحجم المملكة وتنوع الجمعيات الخيرية (الجمعيات غير الربحية)، فالقول بأن عدد الجمعيات كبير غير صحيح بل يجب أن يتمشى مع رؤية المملكة 2030 بالتوسع في أعمال التطوع وتنمية المجتمع وأن من يقيمها بناء على تصور شخصي أو انطباع قديم يعتبر تقييمه قاصرًا وسلبيًا لأن هذه الجمعيات تعتمد أنظمة صادرة من جهات مسؤولة وتتبع المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي حتى ولو كان ذلك التصور والانطباع من باب النصيحة والمقصد الحسن لأنه يمكن التواصل مع أهل الاختصاص وإزالة غبش التصور من الجهات الرسمية، وأظن أن المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي فعل ذلك، وبكل مصداقية عدد كبير من هذه الجمعيات ذات إنجازات كبيرة تحسب لها كمنجز وطني بل أحوج ما يكون إليها المجتمع والوطن.
اقترحت سابقاً أن تعمل دراسة موثقة عن عدد ونوع الجمعيات غير الربحية ومن ثم عقد لقاءات لتنوير المجتمع بهيكلتها وأنظمتها كما أن الدراسة ستحدد نوعيات وأماكن الاحتياج للجمعيات، ولو تمت لوجدنا مثلاً نقصًا كبيرًا في الجمعيات الخيرية الصحية والحاجة ماسة إليها لتدفع الألم عن المرضى خاصة مرضى الفشل الكلوي، وكذا التي تقوم على شأن الأيتام والأرامل، وكذا بحاجة إلى جمعيات في العلوم الشرعية لتنوير المجتمع دينيًا، فهذه الجمعيات هي الأوعية الحقيقية التي تحتضن المتطوعين الذين أصبحوا اليوم رافدًا للدولة وأحد أذرعها التي تدخل بها المنافسات العالمية في المشاريع الإنسانية ولها منصتها وحساباتها ومتابعاتها من الجهات الرسمية، فالعمل التطوعي بدون جمعيات النفع العام ستتقلص أعداده وتضعف مهامه وتذهب قواه مع أدراج الرياح لذلك وجب الاهتمام بها كمًا ونوعًا.
من يقرأ ما أشار إليه البعض من ملاحظات على الجمعيات الخيرية يمكن الاستفادة منه واعتباره فرصة إيجابية لمراجعة العمل وتحسين أدائه، اعتقد أن أمر الملاحظات كله مبني على موضوعين اثنين فقط هما ضعف الحوكمة والنواحي المحاسبية عند بعض تلك الجمعيات، وعدم إنجاز المطلوب أو ضعفه أو تغير نوعه بالنسبة للتبرعات المخصصة، فالدقة في الأمور المحاسبية ومراجعتها والشفافية فيها أمر مطلوب وواجب شرعي مع إدراك أن الجمعيات غير الربحية تحتاج لإدارتها أن تكون هناك نسبة من وارداتها المالية تصرف كأعمال إدارية على موظفين دائمين في كل جمعية خيرية، وطبيعي جدًا أن يكون هناك موظفين متفرغين، فهناك جمعيات اجتماعية نوعية ولها أهداف اجتماعية سامية يجب أن تمنح مساحة أكبر من المصروفات المالية مع الانضباط بالحوكمة والمحاسبة، كما أنه من الناحية الشرعية أن أي تبرعات مخصصة يجب أن تنفذ على وجه السرعة ولا يجوز تأخيرها أو تغيرها إلى أي نوع آخر الا بإذن مَن تبرع فمثلاً لا يجوز لمن تبرع لمرضى الفشل الكلوي بأن تصرف لسقيا الماء، وهكذا بقية التبرعات.