أكثر من ألف فيلم سعودي؛ خبر مثير ومفاجئ لجمهرة السعوديين، أمرٌ قد لا يصدقه كثير منهم، في بلد كانت السينما فيه محظورة حتى سنوات قليلة مضت.
أكثر من ألف فيلم سعودي (طويل وقصير)، حقيقة احتفى بها كما يجب مهرجان أفلام السعودية التاسع، الذي نظمته قبل شهرين جمعية السينما بالشراكة مع مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء)، وبدعم هيئة الأفلام في وزارة الثقافة.. برئاسة أحمد الملا (رئيس المهرجان الملهم) ورفقة حشد من مبدعي ومبدعات هذا الوطن، وباستضافة 500 شخصية سينمائية محلية وعربية وعالمية، عرض في المهرجان 78 فيلماً (معظمها أفلام سعودية)، ووزعت أكثر من 67 جائزة في مسابقات المهرجان المختلفة، كما نُظِّم أكثر من 250 برنامجاً وفعالية سينمائية حضرها واستمتع بها الآلاف (رصد تقرير المهرجان أكثر من 38 ألف حاضر وحاضرة لفعاليات المهرجان). تقول الأرقام -كما نرى- الكثير عن نجاح المهرجان.
صناعة الأفلام في المملكة تخطو خطوات للأمام، هذا أمر لا يمكن إنكاره.. كما لا يمكن غض الطرف عن حركة السوق المحلية في هذه الصناعة.. لا أعتقد أن أي شخص يمكن أن يجادل في ذلك، ما يمكن الاختلاف حوله هو جودة الإنتاج.. هل الأفلام التي أخرجها وأنتجها سعوديون ترضي التوقعات؟ قليل منها يفعل.. وهنا تكمن المشكلة.
كان المهرجان رائع التنظيم حقيقة، كما كان فرصة جميلة للقاء والحوار ومشاهدة أحدث الأعمال السينمائية السعودية.. لكن هل كانت الأفلام بقدر الحدث؟ لم أشاهدها جميعاً بطبيعة الحال.. غير أن ما شاهدته -للأمانة- لم يشعرني بالرضا.. سأتحدث سريعاً عن مثالين؛ اختير فيلم (سليق) للمخرجة أفنان باويان، ليعرض في حفل افتتاح المهرجان، وهو كرتوني قصير (انيميشن)، يحكي قصة سيدة مسنة تعيش في جدة التاريخية، وتصنع (السليق) لابنها وحفيدتها (لولو) التي تفضل هذا الطبق.. يعتذر الابن، فتحزن، وتنسى الوجبة على النار، فيفيض السليق في المنزل ويخرج للحي، ويهرع الجيران لمساعدتها في احتواء الموقف وتنظيف المنزل.. ينتهي الفيلم باجتماع الجيران الذين أنقذوها حول طاولتها، وتناول الوجبة معها.. الجيران لم يكونوا عرباً، بل من جنسيات مختلفة.. رسائل التكافل الاجتماعي والتعايش التي يحاول إيصالها الفيلم جميلة دون شك.. على الرغم أني أتفهم الحماس للعمل، لكني لا أعتقد أنه اختيار جيد لمثل هذه المناسبة.. لم يكن الإخراج سيئاً، لكن النتيجة النهائية لم تكن مقنعة.
المثال الآخر هو فيلم (أغنية الغراب) الذي أخرجه محمد السلمان، وكان الحديث حوله كثيراً، لأن هيئة الأفلام السعودية اختارته لتمثيل المملكة رسميًّا في مسابقة الأوسكار عن فئة أفضل فيلم دولي.. وهو فيلم روائي طويل أدى دور البطولة فيه كل من عاصم العواد وإبراهيم الخير الله وعبدالله الجفال.. يمكن أن أقول إن جودة الصورة كانت إحدى نقاط قوة العمل، بالإضافة إلى مسحة الكوميديا الساخرة التي ضحك لها الجمهور المتحمس الذي حضرت معه، وكان أداء العواد (الشخصية الرئيسة) مميزاً بحق.. لكن الفيلم كان طويلاً جداً في رأيي، أطول من اللازم بكثير، لعل صانعه أراد أن يقول كل شيء، فكثر الحشو في الفيلم.
يذكر السلمان أنه رغب في خلق «حالة من الرمزية، باللعب على وتر المفارقة ما بين الغراب والحمامة»، وهو أمر يلاحظه المشاهد دون عناء، كما يستطيع المشاهد أن يلمس البعد السيكولوجي الذي يؤطر الفيلم، لكن المنتج النهائي ظهر مشتتاً وغير مقنع.. لم تكن القصة مترابطة بشكل كافٍ، وكانت الحبكة ساذجة لا تخلو من ثغرات، فظهر المنتج النهائي على شكل مقاطع غير مترابطة، (أعتقد أن الانتقال بين المشاهد لم يكن سلساً ولا مقنعاً، مما أثر على انسجام العمل).
أصدقكم القول، لقد خاب أملي؛ لأني من ذلك النوع الذي يشاهد الأفلام للاستمتاع أولاً، والاستمتاع آخراً، وهذا شيء يحتاج صناع السينما في المملكة لوضعه في الاعتبار دائماً.. يحضر الإنسان ويدفع ثمن التذكرة للاستمتاع بساعتين أمام الشاشة الكبيرة، هذا هو الدافع الأساسي قبل أي شيء آخر، وواحدة من الطرق الأساسية لتحقيق هذا الهدف في السينما يكون في قوة «القصة» المقدمة وتماسكها.. أعتقد أن صناع السينما السعودية يحتاجون أن يضعوا هذا في اعتبارهم.