- الفلاسفة.. رُعاة العلم، وورثةُ الأنبياء، وهم الأطبّاءُ الحقيقيون للأمراضِ الفِكرية للمُجتمع، أمّا أعراضهم المُلازمة لهم، فهي الاندهاشُ، والشكّ، وخيبةُ الأمل، وبعد النّظر. يقولُ المُفكّر الإسلامي الكبير الدكتور (محمّد شحرور): «تغييرُ العقلِ الجمْعي هو أصعبُ مُهمّة للإنسانِ في المُجتمعات، وقد أدّاها في عصرِ الرّسالات «الرُّسل والأنبياء».. أمّا في هذا العصر، فهي على عاتقِ الفلاسِفة والعلماءِ والمُفكّرين، وهُم بذلك ورثةُ الأنبياء».
- ويرى الفيلسوفُ العربي المُسلم (الكِندي) أنّ الفلاسفةَ هم الجديرونَ بوِراثة الأنبياءِ واتّصال عِلمهم، وأنّ التّعارضَ بين الفلسفةِ والدّين تعارضٌ مزيّف، أوجده بعض رجالُ الدّين الذين كانوا يكرهونَ كلّ شيءٍ يتماشى مع العقل. وفي هذا السِّياق، يقول فيلسوفُ عصرِ التنوير (فولتير): «الفلاسفةُ لا ينزعجونَ من الشّتائمِ والإهاناتِ التي يقذفُهم بها رجلُ الدّين، إنّما ينظرونَ إليهِ كصبيّ سيّئ التربية».
- وبصورةٍ عامّة، لم يكن الفلاسفةُ منفصلينَ عن واقِعهم ومُجتمعاتِهم، فهُم ليسوا مجرّد حالمين كما يُحاول بعضُهم تصويرَهم.. لكنّهم في حقيقةِ منهجهم مُتّصلون بواقعِ مَعاشِهم ومُشكلاتِهم وظروفهم، ويُحاولون وصفَ أو تفسيرَ أو إعادةَ تشكيلِ الأفكار، وتغييرَ الواقع وإيجادَ حلولٍ لمُعضلاتٍ اجتماعيةٍ وأخلاقيةٍ، وتطويرَ سبل الحياةِ السّعيدة.
- في واقعِ الأمر، يُمكن لأيّ شخصٍ مهما بلغَت درجةُ ذكائِه وثقافته، أن يتفَلسف.. إذ يبدو لي أنّ التفَلسُف أمرٌ لازم لأيّ إنسان بِحكم تكوينهِ وطِباعِه. فالتفلسُف ينشأُ عن الاندهاشِ والتساؤل، وهو حاجة بشريّة، ومن أهمّ أسبابِ الحِكمة وتوخّي الحياة الطيّبة، والحصولِ على الطُّمأنينة النفسيّة.
- ومن اطلاعي، لا يجد مُعظم الفلاسفةُ ضالّتهم في الزّواج، وهُم في النّجاح فيه أبعد من غيرهم، فالزّواج يضيّع عليهم فُرَص التأمّل والاطلاع والتفلسُف في هدوءٍ وسكينةٍ وفراغٍ واستقلالية. وبالرّغم من ذلك، كانت زوجةُ (سُقراط) من أكبرِ أسبابِ اكتسابِه الفلسفة، فقد كانت بتشجيعِها المُستمر على نفورهِ منها، وطردِه خارجَ منزله، وسيلةً مُمتازة لتفرّغه للجدَل والتفلسُف، واشتهارِه كأعظم الفلاسِفة عبر الزمان!.
- لقد كان لتحريمِ التفلسُف وتجريمِ الاشتغالِ بها وبعلومِها الغزيرةِ النافعة، في بعض الأزمان، الأثر العميقِ في التخلّفِ الحَضاري والجمودِ الفِكري. يقولُ أبوالفلسفة الحديثةِ (ديكارت): «الفلسفةُ هي التي تُميّزنا عن الأقوامِ الهَمجيّين والمتوحّشين.. وإنّ حضارةَ كلّ أمّة تُقاس بِمقدار شُيوع التّفَلسف فيها».