قصة: فوجئ أحد الموظفين، حينما تلقى اتصالاً هاتفياً من مديره، الذي يقضي إجازته بالخارج، حين انهال عليه بالتوبيخ والوعيد بسبب تقاعسه عن الاهتمام بتلبية طلب عميل، دهشة وذهول وحيرة أصابت الموظف المصدوم الذي بدأ يُفكِّر بأن أحد زملاء العمل قد تواصل مع المدير ونقل له معلومات مخالفة للواقع عن أدائه الفعلي في العمل، وبدأت الشكوك تحوم حول مجموعة من زملائه الموظفين، والاتهامات تُوجَّه تارةً إلى هذا الموظف، وتارة أخرى إلى ذاك الموظف، واستمر تعرض الموظفين لمثل هذه المواقف مع المدير، سواء عند تواجده في مقر العمل، أو غيابه، وبصفة متكررة، وفي نهاية الأمر اكتشف الموظفون أن المدير وضع لهم كاميرات مخفية للمراقبة في جميع أرجاء المكاتب التابعة له منذ فترة طويلة، ليتابع عن كثب مجريات الأحداث اليومية، وطريقة تعامل الموظفين مع المتعاملين، وتأديتهم لأعمالهم، علاوة على ذلك قام أيضاً بتخصيص موظف للتجسس على الموظفين ومراقبتهم حتى بعد انتهاء ساعات العمل الرسمي، ونقل أخبارهم وما سمعه من أحاديثهم وأمورهم الخاصة، وإبقاء المدير على إطلاع دائم بما يجري من شؤون الموظفين الشخصية!!.
من الصحيح أن الرقابة هي أحد أهم وظائف الإدارة الأربع، إلا أن المبالغة في استخدامها يعتبر نوعاً من التجاوز الأخلاقي والقانوني في بعض الأحيان، وكقاعدة عامة لا يجوز التجسس على أي شخص إلا بموجب نظام قانوني وشرعي، وأن زرع موظفين أو كاميرات مخفية في العمل أمرٌ فيه تعدِ على خصوصيات جميع الموظفين، وإن تم ذلك فلابد من معرفة الجميع بوجودها، لأن الإنتاجية تُضبط من خلال نظام تقييم الأداء السنوي، وجلسات تقييم الأداء الفردي، وتعيين المشرفين، وغيرها من الوسائل المعينة على ذلك، فالتجسس عمل لا يمت لأخلاقيات الإدارة بصلة، وقد نهى ديننا عن التخلق به. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا).
لذا وجب على المدير والموظفين أن يلتزموا بمعايير ومبادئ السلوك الوظيفي القويم، وأن يعتمدوا أسلوباً مهنياً يتفق وطبيعة عملهم، وأن يعاملوا زملاءهم بكل لباقة وود، واحترام حقوقهم وواجباتهم، ويقدروا الاختلافات الفردية والتنوع الثقافي للموظفين، ويحظر عليهم استغلال مراكزهم أو مناصبهم أو علاقاتهم أو سلطتهم أو صلاحياتهم للتأثير على الموظفين، ومحاولة إغرائهم أو إجبارهم للقيام بأعمال التجسس لتحقيق منافع شخصية أو أي مآرب أخرى، في حين يمكن للمدير أن يتحسس ويسعى للاطلاع على ما يقع ضمن نطاق عمله، والبحث عما يقوم به الموظفون أثناء أوقات العمل الرسمي ومتابعتهم بشكل يومي، قال تعالى: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ الله)، فعلى المدير أن يستشعر مراقبة الله وأن يكون هدفه من التحسس والاطلاع والرقابة والمتابعة؛ هو مراجعة الأعمال، وتقديم النقد الإيجابي لتصحيح وتطوير الأعمال وضمان تحقيق الإنجازات، وليس بهدف تصيُّد الأخطاء والإساءة ومواجهة الموظفين بما يكرهون، والإضرار بهم من خلال تتبعهم وهم في خلواتهم وغفلاتهم.
(هناك مسافة كبيرة بين التحسس والتجسس لمن يعي ذلك!!).