يعتبر استطلاع الرأي لقياس رضا العميل من أفضل أدوات قياس الجودة في الأداء، وذلك من خلال الاستبانات التي تعطى للعميل، والرد على إجابات محددة ومقننة تتناول عناصر مهمة في الخدمة أو المنتج. وقد حققت استطلاعات الرأي الذاتية التي قامت بتصميمها وزارة الحج والعمرة؛ وأرسلتها لشركات تقديم الخدمة، الهدف منها في الكشف عن الثغرات الموجودة، وبالتالي وضع تصور للتحسين والتطوير للخدمات.
ولكن شكل طول الاستبيانين في المرحلة الأولى (ما قبل الوصول والوصول)، والمرحلة الثانية (المشاعر المقدسة: منى عرفات ومزدلفة) صعوبة لدى الحجاج على اختلاف ثقافاتهم ومستواهم العلمي، فالحجاج معظمهم من كبار السن، وبعضهم أميون، وبالتالي كان لابد من تخصيص فرق عمل في الجودة لمساعدتهم في الإجابة على الاستبانات رغم ضغوط العمل.
وقد كان يفترض أن ترسل الوزارة دليل العمل في الحج ومنهجية قياس الرضا -كما وعدت في اجتماعها الأول- لمساعدة لجان الجودة، ومنها على سبيل المثال: حصر الاستجابات الإلكترونية أولاً بأول، والأساليب الإحصائية، والانحرافات المعيارية التي يتطلب استخدامها.. وغيرها.
وحقيقةً، أحسنت الوزارة في استخدام أداة أخرى، وهي المقابلات الشخصية مع الحجاج رجال وسيدات من كافة شركات مقدمي الخدمات، ومع مختلف الجنسيات، وطرح أسئلة متنوعة عن رحلة الحجاج والمشكلات التي صادفتهم من خبراء في المجال، وبالتالي يتم تفنيد تلك المشكلات وإرسالها للقطاعات المختلفة (المرور- شركة المياه والصرف الصحي- شركة الكهرباء- كدانة - شركات الطوافة - شركات النقل..) لمحاولات تلافي أي ثغرات مستقبلاً.
وحقيقةً، لن تصل أي منظمة إلى الجودة الشاملة، إلا إذا كانت قادرة على الحصول على رضا العميل، بل إسعاده، سواء العميل الداخلي أو الخارجي. وإذا كانت الوزارة قد قامت باستطلاع رضاء العميل الخارجي، واعتبرته ذاتياً للشركات لسد الفجوات وتحسين المخرجات؛ وأنه لن يكون لتقويم الشركات إلا في صورة محدودة؛ فإن استطلاع رأي العميل الداخلي مهم جداً، وهو أيضاً ما قامت به الوزارة مشكورة - ولأول مرة- باستطلاع آراء عملائها من مقدمي الخدمات- رؤساء الشركات- عن أداء الوزارة؛ فرضا العميل الخارجي لن يتحقق إلا برضا العميل الداخلي أولاً المستقبل للخدمات الأساسية التي تشرف عليه الوزارة خلال الموسم.
وهنا لابد أنها تكون قدوة للشركات في قياس رضا العميل الداخلي وعمل استبانات لقياس رضا رؤساء ونواب المراكز الذين تشرف عليهم الشركات من حيث ما قامت به من أدوار أساسية؛ في الاجتماعات واللقاءات، وأساليب التواصل على موقع الشركة، والتسهيلات الإدارية والتقنية، ودعم المراكز في الاستقبال والمغادرة، وفي النقل والتفويج، وفي المشاعر المقدسة.. ودور الشركة في الإشراف والمتابعة، ومدى فاعلية ما تقوم به، أو عدم موافقة بعض الإجراءات لظروف الميدان، وليس كما يعتقد البعض -خطأً- أن ذلك إثارة ضد الشركة.. بل على العكس تساهم في عملية التحسين والتطوير والوصول للجودة الشاملة، ولن نقول المثل «رحم الله أمرئ أهدى إليَّ عيوبي»، لأنها لن تكون عيوباً بقدر ما تكون معرفة مواطن الخلل وتحسين الإجراءات.
ومن أدوات قياس الرضا في الجودة، وضع صندوق الشكاوى في المراكز ومساكن الحجاج، وكذلك الخط الساخن لكل شركة في استقبال الشكاوى، وهما طرق مهمة، ويجب على كل شركة رصد المشكلات بعد الموسم وتحليلها وأسبابها، وتقديمها للقطاعات للتغلب عليها مستقبلاً، وكل ذلك للتحسين والتطوير.. ولكن للأسف البعض لا يرغبون في صداع المشكلات، وبالتالي التقليل من أهميتها وعدم الالتفات لها.
ولأن التدريب مهم جداً في تحقيق الكفاءة، ويحقق الاتقان والجودة، نتمنى أن يكون مبكراً، وليس في وقت الذروة وانشغال العاملين بأعمال الحج، فدورات مثل: هاسب، وترحاب، وأنظمة الأمن والسلامة في المساكن والمشاعر المقدسة، والنقل والتفويج من الممكن أن تقدم من شوال.
أخيراً، صحيح أن أهم معايير وسياسات الجودة هي منع الأخطاء من خلال وجود (دليل الجودة)، الذي قدمته بعض الشركات للمراكز من باب الاحترافية في العمل، وإلزامهم بالتقيد بالمعايير وتوصيف الأداء والمهام لموظفي القطاعات الرئيسية، ومتابعة فرق العمل لاستمارات الجودة.. ولكن يظل تداخل منظومة الحج يؤدي ربما إلى تغيير الخطط وظهور بعض الثغرات التي تحتاج إلى حلول.. وهذا ما يفترض أن تتناوله استبانات قياس الرضا من الشركات لرؤساء المراكز.. فهل تملك الجرأة والثقة الكاملة لإجرائه!؟.