سوق الإعلانات في المملكة ضخمة جداً وهي الأكبر على مستوى الوطن العربي، حيث تُقدَّر عائداتها بأربعة مليارات ريال سنوياً، لكن نسبة التوطين فيها لا تكاد تُذكر، لأن الشركات الأجنبية تستحوذ على 85% تقريباً منها حسب تقديرات المتخصصين في مجال الإعلان.
والإعلان هو "أوكسجين الإعلام"، فلا حياة لمؤسسة إعلامية إلا بموارد إعلانية تساعدها على الاستمرار والتطور، والسؤال هنا: هل يستفيد الاقتصاد الوطني من هذه المليارات أم لا؟
إن الإجابة على هذا السؤال تعود بنا إلى القضية من بدايتها:
قبل سنوات تداولت الصحف المحلية تصريحات لمسؤولين من وزارة الثقافة والإعلام أدلوا بها أمام مجلس الشورى عن وجود "مافيا أجنبية" تحتكر السوق الإعلانية في المملكة، ولم تجرؤ أي صحيفة على تسمية الشركة المعنية بالتهمة أو أصحابها أو الكيفية التي تحتكر بها السوق، والصحف لا تُلام في ذلك، لأنها لو تجرّأت وذكرت اسم الشركة فستنال العقاب الذي يناله أي شخص يحاول أن يقف في وجه المافيا.
إن الحديث أو الكتابة عن سوق الإعلان تصيبني بالمغص، لأن الإنسان يصبح حائراً بين مرارة الكلام ومرارة الصمت، وكأنه يعيش تلك الحالة التي عبّر عنها الشاعر بقوله:
"إن حكينا ندمنا.. وإن سكتنا قهر".
إن سوق الإعلان والمافيا التي تحتكرها موضوع مؤلم طويل ومخيف، ولا يتناوله إلا الكتّاب الشجعان، لذلك دعوني باسمكم أشكر الأساتذة ناصر الصرامي وياسر الغسلان وسلطان المالك وخالد الفريان ومحمد آل سلطان وغيرهم ممن كتبوا وحاولوا على قدر استطاعتهم الوقوف في وجه هذه المافيا التي تسحب مدّخرات الإعلان، وتنقل المال الوطني -كما يقول الصديق محمد آل سلطان- "من هون لهونيك"، حيث الضاحية والأرز.
حسناً، ماذا بقي؟
بقي القول: لا تُلام الصحف حين تبتعد وتنأى بنفسها عن مواجهة مافيا الإعلان، بل هذا من صميم عمل الجهات المختصة، أما الصحف فهي تخاف على حرمانها من نصيبها من فتات الكعكة الإعلانية، عقاباً على جرأتها إن هي ألمحت إلى أذرع المافيا الخفية، لأن عصابة الإعلانات تعتبر "سلطة داخل سلطة"، ومن أراد أن يعرف المزيد عن مافيا سوق الإعلان ومخاطرها فعليه أن يكتب في صفحة قوقل عبارة "مافيا الإعلان السعودي"، وسيجد عشرات أو مئات الصفحات السوداء، ولا عجب في ذلك، لأن قوقل لا يخاف إلا الله.
وأخيراً ونحن نعيش عنفوان الحرب على الفساد أتمنى الالتفات لقطاع صناعة الإعلان وتوطينه وسعودته، لما يمثله من أهمية اقتصادية وطنية كبرى، ومن أجل خدمة هذا الغرض أطلقتُ هاشتاقاً لتنظيم وتوحيد الجهود الساعية لتحقيق هذه المهمة النبيلة، وهو بعنوان #مافيا_لبنانية_تحتكر_كعكة_الإعلان_السعودي