من قبل انتشار وباء كورونا، كان مطعم (المدينة) في مدينة إسطنبول التركية هو المطعم المُفضّل لديّ عندما أتواجد هناك للسياحة، خصوصاً في فصل الشتاء القارس والبارد.
وفي هذا المطعم المُسمّى باسم المدينة المنوّرة تيمّناً بها وحُبّاً من المسلمين الأتراك لمدينة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، رأيت مالكه، الشيف التركي الشهير (بوراك) وهو يستقبل زبائنه بابتسامته المعهودة، ويهدي إليهم قطعاً من الخبز الشهي الذي يكتب عليه أسماءهم بالسمسم وحبّة البركة السوداء قبل التهامه من قبلهم، وهو أول مطعم في العالم يبتكر ويُعِدّ سيخ الكباب الذي طوله متر واحد بالتمام والكمال، وكذلك عرائس المُعجّنات باللحم المُفلفل ذات السماكة الأقلّ في العالم، ويزوره المشاهير والأثرياء كما السُيّاح العاديون من كلّ الجنسيات حول العالم.
وبوراك شيف ناجح، وتكاد تجد تطوّراً جديداً في مطاعمه كلّ يوم، ويُشرف بنفسه على إعداد المأكولات، وشخصيته قوية جداً مع موظّفيه عكس شخصيته المرحة وخفيفة الظلّ مع زبائنه، ورأيتُ ذلك شخصياً عدّة مرّات من داخل مطبخه النظيف، وربّما كان هذا هو سرّ نجاحه الباهر الذي تجاوز حدود تركيا وبلغ الآفاق.
ومثلما للبيوت أسرار، كذلك للمطاعم الناجحة أسرار، إذ طالعتنا الأنباء عن وجود خلاف بينه وبين أبيه، وأنّ هذا الأخير باع ملكية حقوق اسم ابنه لمستثمر أجنبي، ليرفع بُوراك قضية ضدّ أبيه، وكأنّنا في مسلسل تركي أكشن، ولا تُعرف تفاصيل ليتسنّى معرفة المخطئ والمُصيب في هذا الخلاف، كما لا يُعرف في هذه المرحلة من سيربح القضية ومن سيخسرها، لكنّ الخاسر الأكبر هو السائح المُتذوِّق لطعام هذا الشيف الفنّان في حالة اعتزاله أو إفلاسه أو دخوله في نوبة من الاكتئاب، ولو كانت هناك لجنة لإصلاح ذات البين في تركيا لدعوتها للإصلاح بين الابن وأبيه، فالأكل داخل مطاعم بُوراك في تركيا له نكهة خاصّة لا يعرفها إلّا من جرّبها، ومن جرّبها سيعود إليها ولو بعد حين، ولا يُعتبر السائح قد تذوّق من المطعم التركي اللذيذ إن لم يأكله من الشيف المُعلِّم بُوراك.