أهداني سعادة الأستاذ الدكتور حسن سعيد غزالة، عضو هيئة التدريس في قسم اللغة الإنجليزية بكلية العلوم الاجتماعية بجامعة أم القرى، كتابه من جزءين بعنوان: «أساليب الكلام - أسراراً وخباياها». تحدَّث المؤلف عن أساليب الكلام وما يكتنفها من أسرار وخفايا وخبايا ومعان باطنية قد تخفى لأول وهلة على الكثيرين من الناس. إن كثيراً من المعاني الخفية تفوتنا لعدم معرفتنا بأساليب الكلام اللغوية والتي منها؛ أسلوب السخرية والعفوية، والذم المشوب بالمدح والتأديب والنصح وسرعة البديهة وغيرها. الكتاب ممتع ومفيد، فيه الكثير من الأمثلة والمواقف المثيرة؛ اخترت منها أسلوبين: 1- النصح، 2- سرعة البديهة.
فالنصح من جهة، واجب ديني، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة)، ومن الأمثلة على أسلوب النصيحة الآتي:
قيل لأحد الصالحين ما هو سبب تبكيرك في الذهاب إلى المسجد قبل الأذان، فقال: حتى لا أكون من الغافلين.
هذا الأسلوب مدح لصاحبه، لكنه اتهام لغيره من الناس بأنهم من الغافلين.
وفي أسلوب سرعة البديهة الموقف التالي:
يقال إنه كان أحد الشعراء في العصر العباسي يحفظ القرآن كاملاً، وكان في مجلس أحد الأمراء وألقى قصيدة أعجبت الأمير. بعد انتهاء الشاعر من إلقاء قصيدته، قال له الأمير: أطلب ما تشاء. فرد الشاعر على الأمير بسرعة بديهة وذكاء، مستثمراً حفظه للقرآن قائلاً: أعطني من الدنانير ما يعادل الرقم الذي سأذكره من القرآن، وافق الأمير.
فقال الشاعر، قال تعالى: (إلهكم إله واحد)، فتبسم الأمير وأعطاه ديناراً واحدًا. وقال الشاعر: (ثاني اثنين إذ هما في الغار)، فأعطاه دينارين. فقال الشاعر: (لا تقولوا ثلاثة انتهوا خيراً لكم)، فأمر الأمير بإعطائه ثلاثة دنانير، وقال الشاعر بعدها: (ولا ثلاثة إلا هو رابعهم)، فحصل على أربعة دنانير، وقال: (ولا خمسة إلا هو سادسهم)، فأخذ ستة دنانير، وضحك الأمير من ذكاء الشاعر. فقال بعدها: (الله الذي خلق سبع سماوات)، فأخذ سبعة دنانير، فقال الشاعر: (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية)، فأعطاه ثمانية دنانير، وقال: (وكان في المدينة تسعة رهط)، فأخذ تسعة دنانير، وزاد الشاعر أن قال: (تلك عشرة كاملة)، فأعطاه الأمير عشرة دنانير، وقال بعدها الشاعر: (إني رأيت أحد عشر كوكباً)، فأعطاه الأمير أحد عشر دينار. وبعدها قال الشاعر: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً)، فعندها قال الأمير أعطوه ضعف ما طلب وأطردوه من مجلسي. فالتفت الشاعر نحو الأمير وقال له: لمَ يا مولاي؟.. فرد عليه الملك قائلاً: خفت أن تقول، قال تعالى: (وأرسلناه إلى مئة ألف أو يزيدون)!.
هنا يظهر ذكاء الأمير، وذكاء الشاعر، فكلاهما أظهر سرعة بديهة فريدة من نوعها، وختمها الأمير بحجة مفحمة خلصته من ورطة الأرقام مع الشاعر الذكي.
الكتاب فيه ما قد ينفع الناس ويوسع مداركهم حول أسلوب الكلام في حياتنا اليومية، والتي تعج بالمتناقضات، فأساليب كلام الناس واسعة الطيف، لأنهم شعوب وقبائل بأمزجة وطباع وميول وثقافات ورغبات مختلفة.