في مقال أثار الجدل في المجتمع، ما كتبه الأخ الكاتب نجيب اليماني في صحيفة عكاظ الجمعة 28/7/2023م وكان بعنوان: (كيف تُحرِّمون ما أحل الله؟.. زواج الويكند وزواج الليل)، ويتحدث وكأنه الشافي لمشكلات عدم إشباع الغريزة الجسدية، وكأنها أصل الدين، حيث أكد على شرعية زواج المسيار والمسفار، وزواج الليل أو النهار، وغيرها من الأنكحة، وقد تنطلي مثل تلك الأقاويل على صغار العقول وبعض الشباب، ولكن الزواج في قيمنا الإسلامية كما قال تعالى: (مِّيثَاقًا غَلِيظًا)، كما حدد الإسلام معطيات الزواج، فعنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قال لَنَا رَسُولُ اللَّه: يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاء..ٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وهذا نوع من الحلول الإسلامية لمعالجة الغريزة، وليس أنواع الزيجات التي يترتب عليها الكثير من المشكلات الاجتماعية.
فأي فائدة من مثل هذه الزيجات التي لا تحدد فيها الحقوق والواجبات، والتي فيها الكثير من إهانة لكرامة المرأة! وأي فوائد اجتماعية يجنيها المجتمع يا ترى؟! وهل إذا تنازلت المرأة عن حقوقها قبل الزواج، فهل ستبقى لها حقوق بعد الزواج؟! وهل الزوج الذي قبلت به قبل الزواج يستحق ذلك التنازل؟!، وهل المقصود من تلك الزيجات مصلحة المرأة أم متعة الرجل؟!، وهل فكر الكاتب في حجم المشاكل والقضايا المترتبة على هذه النوعيات من الزواج؟! ووجود أطفال كلٌ يرمي بمسؤوليته على الآخر.. ومصير أسود قد ينتظرهم.
وإذا كانت مشكلات الطلاق والانفصال قد باتت تؤرق مجتمعنا، فما بالنا إذا تحول الزواج إلى مسفار ومسيار وويكند، فما الذي سيحدث؟!، انفصال وطلاق كل دقيقة، والنسب في السعودية عالية، فهناك حالة طلاق واحدة كل 10 دقائق، وكل ذلك له آثار سلبية على تفكك المجتمع، وتشرد الأبناء، وربما إصابة بعضهم بأمراض نفسية، كالاكتئاب والفصام وثناي القطب وغيرها.
الزواج يا سادة علاقة ربانية شرعها الخالق، ليس فقط لإشباع الغريزة، ولكن لبناء المجتمعات؛ فالإنسان هو خليفة الله في أرضه، لذا فإن العلاقة بين الزوجين من مقومات بناء الأسرة وتكاملها، ولا منطق سببي لعلاج مشكلات الأرامل والمطلقات والشذوذ الجنسي بمثل هذه الزيجات.
الزواج الحقيقي هو السكن والألفة والمودة والتعاون لبناء الأسرة والمحافظة عليها، لتحقيق الطمأنينة ونجاح أفرادها، والمعاشرة بالمعروف هي قوام نجاح العلاقة الزوجية، وقد وردت في مواضع كثيرة منها في سورة النساء: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)، نعم هذا قوام الأسرة الحقيقية الخيِّر.
وبدلاً من ابتداع زيجات ما أنزل الله بها من سلطان، لماذا لا ندعم العلاقات الزوجية الشرعية ونحافظ عليها، وهي علاقة لا تحكمها القوانين الصارمة ولا العلاقة الجافة، والمحاسبة والتدقيق في كل صغيرة وكبيرة، بل استخدام أسلوب ستر العيوب، فهي كما قال الإمام أحمد بن حنبل: تسعة أعشار العافية في التغافل عن الزلات، ومن منا لا يقع في الزلل والخطأ، فكلنا خطاء، وكما قال الرسول (كلُّ ابنِ آدمَ خطَّاءٌ، وخيرُ الخطَّائينَ التَّوَّابونَ)، وهنا تأتي سماحة الإنسان وعقله ورشده وحكمته وعلاج المشكلات بالتسامح والصفح والعفو، خاصة إذا كان الاعتذار من الطرف الآخر والاعتراف بالخطأ، فهذه أول مؤشرات الاتجاه للحق والحفاظ على كيان الأسرة.
وفي خطبة عصماء قدمها فضيلة الشيخ عبدالله بن حميد في ٦/11/١٤٤٤ عن العلاقة الزوجية كان يردد: (اكسب أهلك ولو خسرت الموقف)، نعم كانت خارطة طريق للعلاقات الزوجية الناجحة، وركزت على أهمية التعبير الصادق بالود والمحبة وطيب الكلام، وضرورة التحلي بالقول الحسن أو الصمت، لأن في الصمت حكمة في كثير من المواقف، حتى تمر العاصفة.
وحقيقةً، فإن الدافع نحو الانتقام من الطرف الآخر لوقوع خطأ، ما هو إلا وهم، ولن يفرز إلا مزيد من التعقيد في المشكلات. والحل الصحيح هو العفو والتسامح والصفح، وفتح صفحة جديدة من الحياة، وعلاج المشكلات بالقضاء على أسبابها.
الرجل هو رب الأسرة وقائدها، ونجاحها مرهون بنجاحه في القيادة، فالرجل الناجح الذي يقود امرأة يستطيع أن يقود العالم، إذن فلنحافظ على كيان واستقامة الأسرة والزيجات المكتملة الأركان للمحافظة على كيان المجتمع واستقراره، وتوفير الحياة الكريمة لأفراده.
استقامة الأسرة والمجتمع.. ليس بزواج «الويكند» وزواج الليل!!
تاريخ النشر: 01 أغسطس 2023 22:42 KSA
A A