الحوار هو ما يحدث بين الأطراف سواء كانوا أفراداً أو جماعات من نقاش متبادل حول قضية من القضايا سواء كانت فردية أو جماعية، والحوار يعد ثقافة مكتسبة تنميها أجهزة الإعلام ومؤسسات التعليم وبرامج التواصل والأساليب التربوية الأسرية، وهذه الثقافة تقتضي حسن الإنصات من كل طرف من الأطراف لسماع ما يطرحه كل طرف حول تلك القضية سواء كانت قضية سياسية أو دينية أو اقتصادية أو غير ذلك، كما تقتضي قبول كل طرف للآخر بما يطرحه حتى سماع كل ما لديه ثم الرد بما يراه من حجج سواء كان ذلك الرد معاكساً أو موافقاً للرأي الآخر، ومما تقتضيه أيضاً ثقافة الحوار استخدام الحجج والأدلة الثابتة أو المنطقية لا الوهمية أي مقارعة الحجة بالحجة إن وجدت وهذه الثقافة يستوجب أن تكون أحد أهم سبل التواصل الحضاري بين الأفراد والجماعات فهي حتماً تعكس الدرجة الحضارية والثقافية التي بلغها ذلك المجتمع ولعل هذا ما نلمسه بجلاء عند الدول المتقدمة، وهذا يؤكد على حجم النمو المستدام لتلك الثقافة وعلى ضوء ما أوردناه سلفاً نود أن نطرح تساؤلاً هاماً مفاده: ما مدى توفر تلك الثقافة في مجتمعاتنا العربية؟!
ولعل الإجابة على هذا التساؤل تشعرنا بالألم والأسى الذي تعيشه تلك الثقافة في مجتمعاتنا العربية كافة، وهذا الأمر يتضح بجلاء أيضاً في حواراتنا الإعلامية التي تتسم بالزعيق والسب والشتم والإقصاء في أغلب حالاتها، وما ينكأ الجراح أن تلك المؤسسات تعد القدوة والنبع الذي يستقي منه أفراد مجتمعنا تلك الثقافة، ثم يتجلى المظهر الأسوأ لتلك الثقافة ما يحدث في برامج التواصل الاجتماعي من هرف وخرف وقرف حواري لا يمت للثقافة الراقية بأي صلة، فبرامج التواصل تكشف حال الشريحة الكبرى من مجتمعاتنا من تدني في مستوى ثقافتها الحوارية كونها تعد الأكثر انتشاراً.
ولعلي من هذا المنبر أدعو كافة الأجهزة ذات العلاقة كمؤسسات الإعلام بمختلف أجهزتها ومؤسسات التعليم بمختلف صورها بتضمين برامجها ومناهجها بما ينمي ثقافة الحوار الراقي الذي يستند على مقومات أدبية وعلمية فديننا الحنيف يحثنا على ذلك في آيات كثر كقوله تعالى (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) وقوله تعالى (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) وخير نبراس لنا في ذلك ربنا سبحانه وتعالى عندما حاور إبليس وهو القادر على محوه ونسفه، وخير دليل لنا أيضا السلوك النبوي الذي اتبعه النبي محمد صلى الله عليه وسلم في دعوته حتى مع من حاربه وآذاه.. والله من وراء القصد.