صدق الشاعر أبوالعلاء المعري حين قال:
وَيَنشَأ ناشِئُ الفِتيانِ منّا
عَلى ما كانَ عَوَّدَهُ أَبوهُ..
لذلك تُعدّ تربية الأطفال وبناء شخصيتهم عملية مهمة وملحة للغاية، فالأطفال يحتاجون إلى الرعاية والتوجيه المستمر في جميع مراحل نموّهم.. وعلى الآباء اختيار الكلمات المناسبة وغير الغاضبة التي لا تلحق بالأطفال أذى عاطفياً أو معنوياً، ولا تقلل من ثقتهم بأنفسهم، بل تعزز إيمانهم بقدراتهم وقيمهم الذاتية.. ويعتقد بعض الآباء والأمهات خطأً بأن ابنهما مازال صغيراً، لا ينبغي إثقاله بشيء من التربية والتعليم، وله أن يلعب ويلهو فقط، ويتمتع بسنوات طفولته الأولى قبل أن تثقله الحياة بهمومها وغمومها، وهذا في واقع الأمر خطاً شائع يتردد بين بعض أولياء الأمور، يدمر الأجيال، ويجعلها يائسة فارغة طائعة، لا تستطيع مواجهة مشاكل الحياة في المستقبل.
وتتجلى أهمية الطفولة المبكرة، والتي يعرفها علماء التربية بأنها مرحلة ما قبل التمييز، أو مرحلة ما قبل المدرسة.. تتميز هذه المرحلة العمرية عند الأطفال بالصفاء الذهني، والمرونة الفطرية، وتمتد زمناً طويلاً يستطيع الوالدين وبقية أفراد الأسرة من خلاله أن يغرسوا في نفس الطفل الغضة ما يريدون من قيم ومثل كريمة.. فكلما تم تدعيم بنيان الطفل في سنواته الأولى بالرعاية والتوجيه، كانت شخصيته أقوى أمام الهزات المستقبلية التي قد تقابله في مسيرته الحياتية، والعكس هو الصحيح، وفي العادة، فإن ما ينشأ عليه الطفل في سنواته الأولى يستمر معه طوال حياته، ويرسم الملامح الأساسية لشخصيته المستقبلية.
شخصياً، تعلمت الكثير من والدي -رحمه الله- ووالدتي -أطال الله عمرها في صحة وعافية- في سنوات طفولتي الأولى، كانت عوناً لي بعد الله سبحانه وتعالى في التغلب على الكثير من المواقف التي واجهتها في حياتي.. ثم يأتي دور المدرسة بعد ذلك في إكمال التعليم والتربية، ويتمثل ذلك في الدور المهم الذي يقوم به المدرس على وجه الخصوص، فأثر المدرس كبير في نفس الطفل، فكم من مدرس تخرج على يديه علماء ومفكرين أفادوا الأمة، وكم منهم تخرج على يديه طلاب فاشلون.. وصدق الأديب المصري نجيب محفوظ حينما وصف المعلم بقوله: "إن المعلم يمتلك أعظم مهنة، إذ تتخرج على يديه جميع المهن الأخرى".
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
