حياة طبيب

تشدني طريقة العلامة ابن منظور في اختصار الكتب، وهو الذي كان لا يقف على كتاب مطول إلا اختصره، لدرجة أن ولداً له رأى رجلاً طويلاً فقال له: (لو رآك أبي لاختصرك)!.

(حياة طبيب) عنوان كتاب لمؤلفه الطبيب المصري الدكتور نجيب باشا محفوظ، أستاذ طب النساء والولادة، الذي درس بمدرسة الطب بالقصر العيني، تخرج فيها عام 1902م، وهو العام الذي كانت مصر على موعد مع وباء الكوليرا القاتل.. تحدث الكاتب بأسلوب ممتع يخلو من المبالغة، عن شبابه والمرحلة الابتدائية والثانوية وفي مدرسة الطب، لم يتعثر في دراسته، وأرادت الظروف أن تملأ حياته بما يدعو إلى التأمل والتدبر والاعتبار.

كتب مقدمة الكتاب عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، اقتبس منها الآتي: «الكتاب ممتع إلى أقصى غايات الإمتاع، فيه ألوان من الفائدة لا تكاد تحصى، فيه العبرة وفيه الموعظة وفيه أسوة الشباب وفيه المتعة التي تجدها في كتاب عرف صاحبه كيف يكتبه، لا تجد فيه تكلفاً، ولا تجد فيه إهمالاً، ولا مبالغة، وإنما هو سائغ ميسر منذ تبدأ قراءته إلى أن تفرغ منه، وهو بعد ذلك مغر بإعادة قراءته، وقد قرأته مرتين، وأكبر الظن أني سأقرؤه مرة ثالثة».. انتهى الاقتباس.

يقول إنه بدأ حياته العملية في حقبة لها أوثق الارتباط بتطور مدرسة الطب المصرية بالقصر العيني، بل بتطور الطب نفسه، وذلك ما يجعل الكتاب عوناً لمن يبحثون ويؤرخون لتلك الحقبة الدقيقة في تاريخ مصر المعاصر.

الكتاب مليء بالمواقف والدروس والعبر قدم فيه المؤلف الكثير من النصائح لجيل الشباب عبر المواقف التي مر بها خلال مسيرته العلمية والعملية.

شدني كثيراً ما جاء في كلمته لأساتذة الجامعات: «اذكروا يا إخوتي أنكم أصحاب أقدس رسالة في الوجود، لأنكم حملتم رسالة العلم، فصار لزاماً عليكم أن تبذلوا من أنفسكم لأبنائكم الطلبة أقصى ما تستطيعون من تضحية، اذكروا أن مستقبل الأمة جميعاً أمانة في أيديكم، ستؤدون عنها حساباً أمام الله والأمة.. لتذكروا عندما يقف الطالب أمامكم للاختبار أنكم إن هضمتموه حقه فستقتلون فيه روح الموهبة الإبداع، وتولدون فيه خيبة الرجاء.. علموا الطالب أن يلتزم أداء واجبه كاملاً، بأن تشعروه بأنه أخذ حقه كاملاً، وثقوا أنكم بذلك تقدمون أكبر خدمة للعلم الذي تخصصتم فيه.. وأخيراً -والكلام للمؤلف- إذا واتتكم الظروف فكنتم أعضاء في مجالس الجامعة فعليكم أن تتحصنوا بشجاعة الرأي، وإذا تبين لكم بعد ذلك أنكم كنتم مخطئين فتذرعوا بشجاعة من الخلق تساعدكم على التراجع وإحقاق الحق».

الكتاب فيه الكثير من المتعة والعبر والعظات تحدث المؤلف عن كل ذلك من غير تكلف وإنما هو الحديث اليسير كل اليسر الذي تقرأه فيملأ نفسك غبطة ورضا وموعظة واعتباراً كما قال عميد الأدب العربي طه حسين.