يعاني العالم من استمرار الحرب في أوكرانيا، ومنطقتنا العربية جزء من هذا العالم. وتأثرت سلباً سلاسل إمداد الطاقة والغذاء نتيجة للحرب، وما نتج عنها من عقوبات على موسكو، وما تلاها من تطورات سلبية في المنافسة القائمة بين أمريكا والغرب من ناحية، والصين من ناحية أخرى، في المجالات الاقتصادية والعسكرية والعلمية. فهل لهذه الحرب من نهاية؟ كيف؟ ومتى؟.
عادةً تنتهي الحروب بمنتصر وخاسر، وأحياناً تتوقف نتيجة لشعور كل طرف بأنه لن ينتصر على الطرف الآخر. وفي حرب روسيا وأوكرانيا، فإنه من المسلَّم به أنه من الناحية العسكرية، أوكرانيا لن تنتصر على روسيا، وكذلك روسيا لن تنتصر هي الأخرى. ورغماً عن كل ذلك تتواصل المعارك، وتستمر معاناة العالم الاقتصادية، ويقف باقي العالم (خارج الغرب بما فيه أمريكا وكذلك الصين) متفرجاً، أو يحاول دفع المقاتلين إلى حلول. ومعضلة روسيا أنها تتوهم أن دول العالم الثالث في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية تتعاطف معها وستقف إلى جانبها. وهذا ليس صحيحاً. والدليل على ذلك أن مؤتمر القمة الإفريقية - الروسية - الذي عُقد مؤخراً في سانت بطسبرج - حضره (17) رئيساً إفريقيا. في حين أن القمة السابقة عام 2019 حضرها (43) رئيساً إفريقيا. ووعد الرئيس بوتين الرؤساء الأفارقة بشحن ما بين 25 و50 ألف طن من الحبوب بشكل مجاني إلى ست دول في إفريقيا، (شحن برنامج الأغذية العالمي حوالى 32 مليون طن من الحبوب في عام واحد). بالإضافة إلى ذلك، افتتحت تركيا منذ شهرين مصنعاً في أوكرانيا لصناعة مسيرات (بيرقدار)، التي واصلت تسليمها لأوكرانيا منذ بداية المعارك.
وفي ظل هذا الوضع المتأزم، عقدت المملكة العربية السعودية مؤتمراً دعت إليه أكثر من أربعين دولة، بهدف استكشاف آفاق محتملة للسلام بين روسيا وأوكرانيا، شارك فيه الولايات المتحدة الأمريكية وأوكرانيا، وأوروبا والصين، والهند وتركيا، وجنوب إفريقيا وعدد من الدول الفاعلة دولياً. وعلق الكثيرون آمالاً عالية على أن تنجح السعودية - التي تحظى باحترام وثقة كل من روسيا وأوكرانيا، إلى جانب الدول الأخرى التي لها دور مباشر أو غير مباشر فيما يحدث، مثل أوروبا، وأمريكا والصين والهند، في إيصال المعنيين بالحرب الأوكرانية إلى اتفاق وتفاهم، يُعجِّل من توقف القتال، والدخول في محادثات تؤدي لوضع خارطة طريق للحل. وهناك لجان فنية تعمل على وضع التفاصيل لما جرى في هذا المؤتمر، سيتم بناءً عليها اتخاذ الخطوات القادمة.
السعودية هي إحدى الدول الهامة التي تكون ثقلاً اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً يعتمد عليها العالم في بناء النظام العالمي الجديد. ويشكل البرنامج الذي يقوده ولي العهد، رئيس الوزراء، محمد بن سلمان، تطور القوة الاقتصادية السعودية، ونجاح الإدارة الاقتصادية وغير الاقتصادية للبلاد. مما يجعلها ثقلاً يمكنه تحقيق ما يسعى إليه، بما في ذلك انتقال المتحاربين في أوكرانيا، الذين يحترمون القيادة السعودية، إلى قاعات التفاوض وطاولات الحوار.
توقيت توقف الحرب الأوكرانية لن يكون سريعاً، فهناك عوامل خارج نطاق المعارك تؤثر على ما يحدث من قتال. ويعتقد بعض المراقبين أن الانتخابات الرئاسية والنيابية القادمة في أمريكا، العام القادم، ستعطى مؤشراً عن ما قد تتجه إليه الأمور، حيث إن واشنطن تغذي أوكرانيا بالعتاد والمال بشكل أكبر من العواصم الغربية الأخرى، وبالتالي سيكون للسياسيين الذين ينتخبون في أمريكا صوت قوي في تطور أحداث القتال بين روسيا وأوكرانيا.
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
