وأنا أتصفح عدداً من أعداد مجلة الفيصل الثقافية القديمة، لفت نظري موضوع مثير للغاية على الغلاف الخارجي للمجلة، بعنوان: "ما وراء النفط"، نُشر في العدد (488) الذي صدر في شهر رمضان من عام 1438هـ، الموافق لشهر يونيو 2017م، فتحت فيه المجلة ملف النفط ثقافياً، وتُسائل عدداً من كُتَّاب وكاتبات دول الخليج العربية عن عصر "ما وراء انتهاء النفط".
بدأت المجلة الموضوع بمقدمة رائعة، فيها سرد جميل وواقعي عن تأثير عوائد النفط والغاز في تقدم ورُقي المجتمعات، وخاصة الخليجية منها، في كل المجالات الحياتية، الموضوع فيه الكثير من الواقع المعاصر الذي عشناه ونعيشه اليوم، حيث لا يختلف اثنان على أن النفط موجود في خزان كبير يقع تحت الأرض، وكثرة الاستهلاك من هذا الخزان، كما هو واقعنا اليوم، يجعلنا نفيق يوماً وليس في الدنيا نفط.
أترككم مع أهم ما جاء في المقدمة:
في عام 1938م استخرج أول برميل للنفط من بئر الدمام السعودية، واليوم إذ يمر أكثر من ثمانية عقود على هذا الحدث الذي غيَّر المنطقة؛ يبلغ النفط شيخوخته سعراً، وربما جدوى اقتصادية.. ثقافياً فيظل النفط معزولاً في آباره عن مجتمعات قطفت ثماره عقوداً.
قيل في أدبيات عربية قديمة: إن النفط كانت تطلى به الإبل لعلاج الجرب، ولعل هذه العلاقة السطحية مع النفط أكثر حميمية من علاقة العرب به اليوم، إذ كان العربي يعرف ملمسه ولونه، ويستخدمه علاجاً لأغلى ما يملك وقتذاك، فيما لا يعرف معظم أبناء اليوم عن النفط إلا مداخيله، وربما سعر برميله.
النفط مجرد سائل أسود، صدف أنه ظهر هنا، النفط لم يزرع هنا، فهو ليس لؤلؤاً ولا تمراً، والأجدى أن يلتفت الدارسون إلى مدى الإتقان في توظيف عائداته الاقتصادية لنجاح خطط التنمية.
غير أن السؤال يبقى: كيف أثّر النفط في إنسان هذه البلاد، وكيف غيّره ثقافياً واجتماعياً؟، ولماذا لم ينقل أبناء الخليج صدى النفط إلى الأدب شعراً وسرداً؟، ما الذي جعله محصوراً في بعده الاقتصادي؟.
لقد انحصر الكلام عن النفط في آباره ومصانع تكريره، ولم يتحول إلى معنى ثقافي، ولم يرمز إلى دوره الهائل في التحولات التي شهدتها المنطقة، أليس هو هِبَةً ربانية ومصدر رزق؟، هل يمكن إنكار فضل عوائد النفط على دول الخليج؟.
ألم يغير النفط وجه المنطقة وحياة إنسانها من شظف العيش إلى رخائه، ومن الكتاتيب إلى المؤسسات الأكاديمية الكبرى؟، فما بالنا لا نسمعه في الأغاني، ولا يتطرق له النشيد؟، لِمَ لا نُطالع قصيدة تشير إلى بئر زيت، أو رواية تُصوّر فضله على مدن الخليج وقراها؟، هل يستحق النفط كل هذا الهجاء في الذاكرة العربية منذ الخمسينيات؟، هل دخل النفط ولو رمزياً في الأمثال؟، في المرويات الشعبية والقصص؟، في الأساطير المحكية وسواها من أزياء وأطعمة وصناعات يدوية؟، هل غدا جزءّا من حياة الناس الاجتماعية والثقافية، كما هو أساسها اقتصادياً؟.
يكاد النفط اليوم يعلن تقاعده وسط تأرجح أسعاره، واكتشاف بدائل متجددة للطاقة كل يوم! (انتهى الاقتباس).