Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أيمن بدر كريّم

أخطر كيان مجتمعي

A A
إنّها «العائلة»، نواةُ تكوين الفرد ونسج سلوكيّاته وضبط أخلاقه، وتحديد قُدراته الذهنية وقابليّته للإصابة بأنواع العُقد النفسية، والأمراض الوراثية، والاضطرابات الشخصية، فضلاً عن اعتناقه لمعتقداته الدينيّة، ومُسلّماته الإيمانية، واتّباعه لمذهبه والدّفاع عنه - أحياناً - بتعصّب مُفرط.

إنّ كثيراً من الناس، نتاجُ مفاهيم خاطئةٍ مضطربة، وتعليمٍ رديء، وتربية مُختلّة، واختيارات سيّئة مبنيّة عليها، فضلاً عن نمط حياةٍ تربوية وسط عائلة تتجاهل حرّياتهم ورغباتهم، من أجل أن تقبلهم جماعتُهم وتحتويهم قبيلتهم، ويرضى عنهم مُجتمعهم. يقول (تولستوي): «العقبةُ الأولى في وجه تطوّر الفرد، هي العائلة».

والعائلة، على أهمّيتها الوظيفية الكُبرى في توفير الرعايةِ والاهتمام والحمايةِ للأفراد، تكوّن أزمةً رئيسية في طريق نموّ الطفل من الناحية السلوكيّة والأخلاقيّة والفكريّة، وباختلالاتها التربويّة النفسية، تتسبّب في اعتلالاتٍ عويصة للأطفال، ومن ثمّ البالغين.

فأفراد العائلة المُقرّبون، يمثّلون ضغوطاتٍ قويّة مكثّفة على الأطفال والمراهقين في أطوار التنشئة والتعلّم، عن طريق التقليدِ والإيحاء والترهيبِ والتّعنيف، يمكن أن تسهم كثيراً في تفتّح الذهن وتقبّل الآخر، واتصاف الطفل بالسّماحة والانضباط، أو تتسبّب مباشرة في الإصابة بالعُقد النفسية والتشظّي الروحي، وتبنّي العُنف الّلفظي والسّلوكي، فضلاً عن الشعور بالإحباطِ وفقدان القيمة.

إنّ اختلال ثقافة التعامل بين المرأةِ والرجل في نطاقِ المُجتمع الصغير، يرتبط بالضرورة باختلال منظومةِ الحقوق والواجبات، وطغيان سوء الفهم وانتشار اضطرابات السُّلوك الاجتماعي بينهما، بصورةٍ قد تؤدي إلى عدائيةٍ وتوتّر غير مبرّرين بين الجنسين.

يرى الطبيب التربوي الإنجليزي (دونالد وينيكوت) الذي استنبط أهمّية الاحتضان الجسدي للطفل، واتصاله العاطفي السّليم بأبويه، وبخاصة أمّه، وأهمّية تطبيق ذلك على العائلةِ والعالمِ الخارجي كأساسٍ؛ لاستمرار نموّه النفسي بصورةٍ طبيعية، يرى أنّ أساس مُشكلات العالَم يرجع إلى طريقة التّربية العائلية المُباشرة، وهي واقعياً منشأ السّعادة أو التّعاسة للجنسِ البشري على المدى الطويل.

عموماً، لا توجد حريّة شخصيّة يُمكن فصلها عن مجتمع العائلة بشكلٍ كامل، إذ لا مناصَ للإنسان من النشوء في قالب أُسَريّ واجتماعي معيّن، يُحاول بناء الثّقة لديه، وتجنيبه مُعاداة طبيعة المُجتمع وبُنيته الأخلاقيّة ونموذجه الثّقافي.. شاءَ أم أبى.

الناسُ - بصورةٍ عامّة - ضحيّةُ التّكرار والاعتيادِ والتقليد، ونتاجُ ظروفهم التربوية الاجتماعية.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store