في حديثٍ هاتفيٍ مُفِيد، أثار معي أحد المختصّين السعوديين موضوعاً أراه مهمّاً للغاية، وهو الوجبات الغذائية التي تقدّمها مستشفياتنا الحكومية لمرضاها المُنوَّمِين لديها مع مُرافقيهم، من خلال الشركات التموينية المُتعاقِدَة معها لهذا الغرض، وهي خدمة جليلة تُشكر عليها المستشفيات، وتدلّ على تطوّر ورُقيّ الخدمات الصحية في ربوع البلاد.
والوجبات صحية ومتعوب عليها، وذات معايير جودة عالية، ولا شكّ أنّ أعدادها بعشرات الآلاف يومياً، فطوراًِ وغذاءً وعشاءً، وفوق ذلك تحرص المستشفيات بأن تكون الوجبات جديدة، بناءً على تعليمات وزارة الصحّة، بمعنى عدم إعادة تقديم ما يزيد منها ولو لم تمسّها يد، ولو لم يطعمها طاعم، فإن خالفت الشركات ذلك فتُعاقبها المستشفيات وربّما تُلغي عقودها، وهذا إجراء حازم ورائع.
لكن، وما أدراكم ما لكن؟ ما مصير هذه الوجبات الزائدة يا تُرى؟ هناك تأكيد على رميها في النفايات، ولو صحّ ذلك فهو سلبية كبيرة تغطّي على إيجابية تقديم الوجبات، وهدر كبير للنعمة، وإسراف وتبذير من عمل الشيطان، وسيئة تُصاحب كالتوأم السيامي حسنة علاج المرضى وإطعامهم مجّاناً على حساب الدولة التي تتكبّد الميزانيات الكبيرة ولا تريد جزاءً ولا شكورا.
ولا أعلم مصير الوجبات الزائدة في المستشفيات الخاصّة، ولكن لو كان مثل نظيره في المستشفيات الحكومية فلا شكّ أنّ هناك هدراً وإسرافاً وتبذيراً يحصل في صروح الطبّ النبيلة التي ترعى المواطن والمقيم على حدٍّ سواء.
ومعالجة ذلك يكون بقرار إداري عاجل في كلّ المستشفيات، وعزيمة صادقة بأن تُكمل المستشفيات زينها، وتتعاون مع الجهات الخيرية التي هي مختصّة بحفظ النعمة.. وتوزيع الوجبات الزائدة على محتاجيها بعد تجهيزها بشكل صحي ولائق، ولو على شركاء الإنسان في هذه الحياة من الطيور والحيوانات، لتحلّ البركة على مجتمعنا، ولعلّها صدقة يُدفع بها البلاء عن المرضى الذين قُدِّمَت لهم الوجبات، بل وعن العاملين عليها في المستشفيات، وألّا نحقرِّنّ صدقة ولو كانت شِقّ تمرة، فما بالكم بوجبات فيها ما لذّ وطاب من الطعام الصحي اللذيذ؟.