البعض للأسف يتحدث على أن المملكة لا تمتلك موارد طبيعية تصلح لإقامة صناعة قوية، وبأن المورد الوحيد هو النفط، رغم أن الله أنعم علينا بالكثير من الخيرات، ولكن بعضها مُهمل وفي حاجة إلى تطوير، فعلى سبيل المثال لا الحصر تمتلك المملكة حجماً ضخماً من الجلود الناتج من الذبائح والأضاحي، يكفي لإقامة صناعة ضخمة في الأحذية والحقائب وغيرها من المنتجات الجلدية.
ورغم أن المملكة من أكبر مُصدري العالم في الجلود، إلا أن صناعة الجلود تعاني من أزمة حقيقية ما يعرضها إلى صناعة منقرضة خلال سنوات قليلة، فحجم المنتجات المحلية من الجلود المصنعة محلياً قليل للغاية، ولا يتجاوز الـ10% من الاحتياجات وفقًا لأفضل التقديرات، وهذا يرجع إلى عدم الاهتمام بتطوير هذه الصناعة، والاعتماد على الطرق التقليدية التي تلاشت وأصبحت من الماضي، خلاف قيام الكثير من المصدرين بالاكتفاء بتجميع هذه الجلود وتصديرها إلى الدول الخارجية مثل إيطاليا والهند وباكستان والصين، ثم نقوم باستيرادها مرة أخرى في صورة منتجات بعشرات الأضعاف، وبالتالي ضياع على البلاد فرصة رائعة لإيجاد منتج جلدي محلي سواء في الحقائب أو الأحذية أو صناعة الجلود التي تدخل في الأثاث والسيارات وخلافه، وهذا الأمر يفسر سبب تقلص عدد مصانع الجلود من 12 مصنعًا إلى 7 مصانع فقط.
هناك بعض التحديات التي تواجه صناعة الجلود مثل عدم وجود إستراتيجية حقيقية لتطوير هذه الصناعة الهامة والحيوية، والكافية لإقامة اقتصاديات دول بمعنى الكلمة، خلاف تلف الكثير من جلود الأضاحي بسبب التعجل في الذبح، إلى جانب إشكالية عدم ذبح الأضاحي في الأماكن المخصصة لذلك، وبالتالي تصعب عملية التجميع، ولكن هذه الإشكاليات من الممكن أن تكون شيئًا من الماضي من خلال إصدار بعض القرارات لتدريب القائمين على عملية الذبح، وفرض غرامات كبيرة على الذبح في الأماكن غير المخصصة، وبالتالي الانتهاء من هذه الاشكاليات بدون رجعة.
حجم الصناعات التي تقام على مخلفات الذبائح الأضحية كبيرة جدًا، ولا يمكن حصرها في هذه الكلمات بشكل جامع مانع، ولك أن تعلم أن صوف الخراف يقام عليه صناعة ضخمة سواء في صنع ملابس الصوف والسجاد والمعاطف والسترات، ويستخدم شعر الخراف في صناعة الخيام، ليس هذا فقط، بل إن هناك إمكانية للإستفادة من كافة مخلفات الأضاحي مثل استخدام الشحوم في صناعة الصابون، واستخدام الجلود والعظام في استخراج الجلاتين، كل ما ذكرناه من صناعات في حاجة إلى رؤية وإستراتيجية تنفذ خلال وقت محدد، حتى لا تتحول هذه الثروة إلى أموال وفرص عمل واستثمارات مُهدرة.
هناك حاجة ملحة، للتدخل لإنقاذ هذه الصناعة من الموت، وعدم الاكتفاء بهدر هذه الموارد الهامة من خلال تصديرها في شكل مواد خام، والعمل على تصنيعها محليًا، وصناعة براند لهذه المنتجات وتسويقه محليًا وإقليميًا وعالميًا، فلك أن تعلم أن حقيبة واحدة للسيدات مصنعة من هذه الجلود، قد تباع بعشرات الآلاف من الدولارات بعد تصنيعها في إيطاليا أو فرنسا، وإذا ما بحثت عن أصل الجلد المستخدم في هذه الحقيبة، فقد يكون من المملكة.
الأمر يحتاج إلى وقفة حقيقية وإيجاد صناعة تليق بحجم المملكة في هذا المجال، وهذا الأمر ممكن من خلال إنشاء مجمع لمصانع الجلود من الألف للياء لجمع أضاحي العيد، وإنتاج كافة المنتجات الجلدية، فلم لا والمملكة تنتج 4 ملايين قطعة جلود، أي ما يقدر بـ10 آلاف طن، خلال أيام عيد الأضحى، ويتضاعف هذا الرقم إذا ما تم احتساب مجموع الجلود طوال العام، ومن الممكن التغلب على نقص الخبرة في هذه الصناعة، من خلال إرسال بعثات تعليمية إلى إيطاليا أو الصين أو أي دولة تشتهر بهذه الصناعة، والعودة بالخبرات اللازمة لإنتاج منتج جلدي قادر على المنافسة محليًا وإقليميًا، الموضوع ليس صعبًا، ولكنه في حاجة إلى تحرك، حتى لا نستمر في هدر هذه الثروات.
وأخيرًا وليس آخرًا، فما أريده من هذا المقال هو استخدام كل موارد المملكة في إقامة صناعة قوية قادرة قائمة على مواد خام محلية، وبالتالي امتلاك ميزة نسبية تجعلنا قادرين على المنافسة محليًا وإقليميًا وعالميًا، خلاف استغلال كافة مواردنا، فمن كان يتخيل قبل قراءة هذا المقال أن مخلفات الأضاحي من جلود وأصواف وعظام وشحوم، تكفي لإقامة مجموعة ضخمة من صناعات السجاد والصوف والصابون والجلاتين، لذلك هناك ضرورة لعدم الاستهانة بأي مورد، حتى لا يتحول مثلما تحدثت سابقًا إلى ثروة مهدرة.