الاهتمام الكبير بمؤتمر قمة مجموعة بريكس الأخير الذي أظهرته دول العالم، خاصة فيما أصبح يطلق عليه مسمى، الجنوب العالمي، يعكس شعور كثيرين بأنه حان الوقت لتغيير النظام العالمي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية، وتولت أمريكا بمساعدة دول غربية الإشراف عليه، ففيه كثير من العيوب التي يعترف الغرب بأنها توثر على فاعليته، وعلى رأس ذلك سياسات عدد من المؤسسات المالية، مثل صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والهيئات السياسية، مثل مجلس الأمن. وفي مؤتمر القمة لدول البريكس الذي عُقد في جوهانسبرج (جنوب إفريقيا) بلغت الطلبات المقدمة من دول للالتحاق بهذه المجموعة أكثر من أربعين طلباً.
وأعلنت القمة، التي تتخذ قراراتها بالإجماع، عن قبولها ست دول فقط للالتحاق بالمجموعة ابتداءً من بداية العام القادم. وأعلن رئيس جنوب إفريقيا، سيريل راما فوزا، عند إعلان قبول عضوية الدول الجديدة: «أن بريكس دخلت مرحلة جديدة في سعيها لبناء عالم عادل شمولي». وكان على رأس قائمة الدول الست التي اختيرت للانضمام إلى البريكس، المملكة العربية السعودية، بما يجعل عضوية المجموعة تشمل أكبر مصدر للبترول في العالم (السعودية)، وأكبر مستورد للبترول في العالم (الصين).
لا شك أن هذه المجموعة تعتبر تكتلاً اقتصادياً هاماً، حيث إن أعضاءها المؤسسين يشملون الهند والصين، أكبر عدد من السكان، ولكن المشاحنات على الحدود بينهما لا زالت قائمة إلى الآن، ويؤمل أن يؤدي تعاونهما الاقتصادي إلى التخفيف من مشاعر العداء فيما بين بلديهما. ولا تظهر معظم الدول العضو في المجموعة بما فيها غالبية المدعوين في العام القادم، أي رغبة في أن يكون تكتلاً منافساً للتكتل الغربي. وحضر أمين عام الأمم المتحدة قمة جوهانسبرج لتأكيد أن المجموعة هي جزء من النظام العالمي القائم.
حسب بيانات صندوق النقد الدولي لعام 2022، شهدت السعودية أقوى نمو اقتصادي في العالم، تلاها الصين. وهذه المعلومات تزيد من أهمية السعودية على المستوى العالمي، وجذبها اهتمام مجموعة البريكس، وتحقق بمسيرتها الجديدة اقتصادياً وسياسياً، بقيادتها الفاعلة، تأثيراً بعيداً يتخطى نطاق الشرق الأوسط، ويسهم في إعادة تكوين المشهد السياسي العالمي، وهي كسرت بالفعل نمط الاصطفافات الدولية المفروضة. وترغب المملكة في إقامة نظام عالمي متوازن، وتكون مشاركة فاعلة في إعادة بنائه. وسيكون للبريكس دور مؤثر في ما سيتم، وقد خَطَب أمين عام الأمم المتحدة في مؤتمر القمة يوم الخميس الماضي، معبراً عن ضرورة إحداث تغييرات في المؤسسات العالمية بشكلٍ يجعلها أكثر توازناً مثل البريكس، كما قال.
ربما يصبح تجمع البريكس مشابهاً، في بعض جوانبه، للاتحاد الأوروبي، والذي كان مسماه سابقاً السوق الأوروبية المشتركة، إلا أن هناك مصاعب لن تؤدي إلى هذه النتيجة، لكن ذلك لن يمنع بريكس من فتح الطريق لفرص جديدة للاستثمار، وزيادة التجارة، وتطوير البنى التحتية في الكثير من دول العالم، وبالنسبة للدول الأعضاء؛ يشكل التكتل منفعة اقتصادية متبادلة، وفي بعض الظروف منافع سياسية. وأسست بريكس بنكاً قام بتمويل العديد من المشاريع، خاصة في إفريقيا، وقام القادة خلال قمتهم الأخيرة ببحث طرق لدعم اقتصادات الدول النامية، باستخدام العملات المحلية في التعامل البيني، وكذلك استخدام اليوان الصيني عوضاً عن الدولار في الصفقات التجارية.