العرب أمة متقادمة في التاريخ البشري يبدأ منذ القرن التاسع قبل الميلاد حتى يومنا هذا، وخلال هذه الفترة الممتدة تتابع على حماها ممالك كثر، لكن كان أبرزها ممالك سبأ وديدان وحمير ومعين ولحيان وكندة ثم الغساسنة والمناذرة، لكنهم خلال تلك الفترة وما بعدها كانوا يستمدون قوتهم ومصالحهم من تلك الدول المجاورة مثل الأشوريين والفرس والروم نظير تبعيتهم المطلقة لتلك الدول، وبعد أن جاءت الرسالة المحمدية وأعزهم الله تعالى بكتابه المنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم أنفرج الحال وأصبحوا في حالة توسع وامتداد وصل إلى أوروبا غرباً وإلى الهند والسند شرقاً لكن الحال لم يدم طويلاً بل بدأ ينحسر في قوته دون تحقيق نمو حضاري يسجله التاريخ، وكان لذلك أسباب رئيسة كانت تحول دون تحقيق النمو الحضاري المأمول، فلو دققنا في المجتمع الحضاري الذي تم خلال تلك الفترة الزمنية الذهبية لوجدناه يدون لصالح علماء من خارج الجنس العربي وهذا الأمر يجعلنا نستنتج أبرز تلك الأسباب مثل:
- حالة انتشار الفكر القبلي الممتد من عصور الظلام التي عاشوها في العصر الجاهلي والتي تسيطر على أغلب مفاصل المجتمع العربي بدءاً من الفئات المجتمعية وانتهاء ببعض القيادات التي تعزز ذلك الفكر الذي لم يقتصر على فئة القبيلة فقط بل تجاوز إلى مختلف المناحي الحياتية وهذه حالة حذر منها نبينا صلى الله عليه وسلم فقال (دعوها فإنها منتنة) لأنها مع الأسف متجذرة في مفاصل المجتمع العربي ولا تزال تنخر الجسد العربي حتى يومنا هذا.
- العشوائية والفوضوية غير المؤسسية في العمل التنموي لبناء حضارة أصيلة نابعة من الفكر العربي الأصيل فهناك قادة ومؤسسات وأفراد يفتقدون للتخطيط المتقن والثابت لمسيرة الحياة.
- السلطة المطلقة التي تغلب على أنظمة حكمهم والتي تسيره في كل صغيرة وكبيرة جعلتهم يعيشون حالة (لا أريكم إلا ما أرى).
- التبعية المستدامة التي تغلب على مجتمعاتهم التي أفقدتهم قيمتهم الفكرية المنتجة واعتمادهم على ما ينتجه الغير في مأكلهم ومشربهم وملبسهم وتطبيبهم.
- ومن الأسباب المتأخرة التي زادت من اتساع رحلة الضعف والهوان الفكري والحضاري ما يقوم به الكثير من الفقهاء منذ نشوء علم الفقه من حالات القمع الفكري وانتشار حالات التحريم والتكفير والإقصاء وكبح جماح الفكر العربي الناهض الذي لم يجد البيئة الدافعة لينمو وينتج مما أدى إلى الهجرة الجماعية إلى دول أخرى فكانوا نماذج رائعة كان لأغلبهم بصمات يسجلها التاريخ في مختلف المجالات العلمية نتيجة لقيام البعض بقمعهم وتكفيرهم وزندقتهم حتى تركوا تلك البيئة غير الدافعه لغرض السيطرة الفكرية التامة على مفاصل المجتمع تحت غطاء مقولة (الباب الذي يأتيك منه ريح سده واستريح) والله من وراء القصد.