منذ دخولي عالم السيّارات؛ وأنا أُفضّل شراء السيّارات الصغيرة ذات الأربعة حجرات لحرق الطاقة، أو ما تُعرف بالسلندرات، فإن لم ترُقْ لي، فأُفضّل شراء السيّارات الأكبر قليلاً، ذات الستّة سلندرات.
وعلاقتي مع السيّارات بشكل عام؛ مثل علاقة الرجل الذي يتزوج كثيراً ويُطلِّق كثيراً، يعني المطلاق، دون شفقة بالنساء القوارير، اللاتي يسهل كسرهنّ بكلمة طلاق واحدة، ليس فيها رجعة، وتجلب الفراق.
وكان لديّ قبل أسابيع سيّارة جيب يابانية بأربعة سلندرات ومحرّك تيربو، وأشهد أنّ اليابانيين قد أبدعوا في صناعتها، رغم أنّ خطّ إنتاج الواحدة منها من الصفر لا يستغرق أكثر من ١٠ دقائق، ورأيتُ ذلك بنفسي حين زرت مصنعها في اليابان قبل سنوات، لكنّي عاملتها مثل معاملة المطلاق، وخُنتُ عِشْرتي معها التي امتدّت لسنوات، وبِعتُها بتراب الفلوس، وابتعتُ سيّارة أمريكية كبيرة ذات ثمانية سلندرات، وثلاثة صفوف بسبعة مقاعد، كي تكفيني وأحفادي الأربعة من بناتي، للمشاوير والرحلات.
لكنّ شهر عسلي مع السيّارة الكبيرة لم يدم طويلاً، فالثماني حجرات تحتاج لبنزين كثير وتستهلكه سريعاً، والمائة وخمسون ريالاً التي كُنْتُ أعبّئ بها خزّان سيارتي الصغيرة لأسبوع من الزمن؛ أصبحت مائتين وخمسين ريالاً ولمُدّة أقلّ من أسبوع، فضلاً عن صعوبة المناورة بها في شوارع جدّة المزدحمة، واستحالة العثور على موقف مناسب يكفي لضخامتها بجانب مواقع مشاويري الكثيرة.
وزاد الطين بلّة؛ أنّني استيقظت ذات صباح على صوت جرس بيتي، وكان الطارق هو جاري الذي أبلغني عن صدمة تلقّتها مؤخّرة سيّارتي الكبيرة، بعد أن صارت تشغل حيّزاً كبيراً في الشارع الفرعي بسبب ضخامتها، وهي واقفة أمام بيتي، وهروب الصادم المجهول، فبلّغْتُ إدارة المرور، التي طلبت منّي تسجيلات كاميرا الشارع إن وُجِدت، ولأنّي للأسف لم أُركِّب كاميرا، فقد سُجِّل الحادث ضدّ مجهول.
والآن، بدأْتُ أشعر بفداحة تطليقي لسيّارتي الصغيرة، لا سيّما وأنّ الشريطي الماهر الذي اشتراها، باعها بزيادة ٣٠ ألف ريال على سعر شرائها منّي، فأصبحت كالطليقة التي تشمت بطليقها عبر زواجها بآخر بمهرٍ أعلى.
وأمّا سيّارتي الكبيرة، فقد قرّرْتُ إضافتها لقائمة الطلاق البغيض، وبيَّتُ النيّة ضدّها، فإمّا أعاشرها ببنزين أقلّ تكلفة، ومواقف شاغرة ومُحصّنة ضدّ صدمات آناء الليل وأطراف النهار من المجهولين، أو أُفارقها بمعروف، ذلك هو الإحسان.