من أصعب الأمانات أمانة التزكية فالإنسان أمين على تزكية نفسه وتزكية غيره، والتساهل في موضوع منح التزكية للنفس منهي عنه وتزكية الآخرين مجاملة أو دون معرفة أكيدة أحياناً يورط من منح التزكية كما أنه يورط الآخرين به، وهناك أمور تقوم على التزكية مثل التزكية للزواج، وقد وقع كثير من الأزواج أو الزوجات ضحية التساهل في التزكية، وذات مرة سؤلت عن شاب متقدم للزواج من فتاة بعد أن اتصل بي والدها، والشاب الذي سؤلت عنه وطلب مني تزكيته من عدمها من أروع الشباب في خلقه وعلمه وأدبه، وبناء على ذلك زكيته للتقدم لخطبة فتاة، وتم الزواج وبعد ستة أشهر من الزواج أفاجأ بوالد الفتاة يقدم لي تقريراً عن فشل الزواج وأن الشاب بتوجيه من والده يعامل الفتاة كخادمة ويضربها مما اضطر والدها أن يخلعه.
طبعاً ما حدث هنا ليس بسبب الزوج إنما بسبب والده، حيث الابن إمعة وكان الأب متحكماً بابنه لدرجة هو الذي يأمر وينهى لأشياء حتى شخصية بين الزوجين، فأخذت درساً عن عدم الإسراع في التزكية للتقدم للزواج سواء شاب أو شابة قبل أن تأخذ التزكية حظها كاملة من البحث وأن تعرف كل شيء عن المزكي وأهله وتعرف كل ما له علاقة بحياته خاصة الأب والأم.
وأعرف شاباً من عائلة محترمة تزوج فتاة سرعان ما طلقها بسبب تحريض أبيها عليه حيث كان يعلمها في بداية حياتها الزوجية فنون السيطرة على الزوج حتى يصبح خاتماً في يدها رغم أن من زكى البنت قريبة لها إلا أنها قالت ما كنت أعرف عن أبيها، كل هذا يحدث بسبب التزكية السريعة الضارة التي تحمل في طياتها تصرفات لا إنسانية مهدرجة فكرياً ومعنوياً، ناهيك طبعاً عن تزكية الشاب أو الشابة للزواج مجاملة دون معرفة تامة بهما، فالتزكية أمانة.
كذلك التزكية لمنصب أو الترشيح للعمل حيث أحياناً يمنح الشهادة والثقة لشخص يكون عبئاً على الجهة التي يعمل بها ويكون الشخص مصابًا بالتسيب أو النرجسية أو العقد النفسية، وكذلك مجاملة رؤساء الأقسام وعمداء الكليات في التزكية لبعض أساتذة الجامعات وهم لا يستحقون، ويتساهل البعض كذلك في منح التزكيات العلمية التي تتطلبها جامعات وكليات للالتحاق بها للدراسات العليا فالأستاذ الجامعي يكتب تزكية لطالب ويذكر فيها صفات ليست فيه وقد تكون هذه التزكية سبباً في إخفاقه وقد يكون من منحه التزكية لم يدرسه أصلاً، وأسوأ التزكيات التي حذر القرآن الكريم منها ونهى عنها هي تزكية النفس كما قال تعالى (فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ) ولقد قابلت أناساً من هذا النوع فيصف نفسه بأن الله معه لأنه مع الله أو لأنه من أهل قيام الليل أو الصائم القائم فيضفي على نفسه شعوراً من أنه من المكرمين عند الله وأن الله يهبه أحياناً إلهاماً أو فتوحات خاصة به لأنه تقي، إن هذا باب كبير من أبواب الشيطان حتى إنه يغرق فيه من يغرق ممن هم يوصفون بالبدع البعيدين كل البعد عن الله أو هم من المغترين بأعمالهم وبمديح الناس لهم فيصنعون منهم بهذا المديح والإطراء مشايخ طرق غاوية وأصحاب عمائم ضالة وكل هذا استدراج من الله لهم، لذلك كان التحذير الكبير من تزكية النفس ومن داء الرياء الذي هو كثيرًا ما يخفى على النفس لذلك قال تعالى منبهاً (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُم بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ) أما تزكية النفس المطلوبة والإيجابية فهي التي تعني تطهيرها من الرذائل وأتيانها بالفضائل والأعمال الصالحة وهي ما حض عليها القرآن الكريم بقوله (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا).