يتفق الجميع على أن أعظم فقد في الحياة هو مَن يُغيّبه الموت عنَّا، وهذا الأمر رغم أننا نتفق عليه، وندرك أنه نهاية مسيرة لكل حي، إلا أننا نتأثر كثيراً لفقد الأحبة والأقرباء والأصدقاء وغيرهم، بدرجات متفاوتة تحمل معها الكثير من الذكريات والأحزان التي تلزمنا لفترات تطول وتقصر، ولكنها سنة الحياة التي لا مفر منها، وهي طريق لابد أن نسلكه، ولا يبقى من الإنسان إلا ما يتركه من أثر وعلم وذكرى في نفوس الآخرين، أو ابن صالح يستمر يدعو لفقيده، وغير ذلك يذهب ويندثر.
عظم الله أجركم، هو ما يوصله الناس لأهل المتوفى، خلال فترة العزاء، ولهم الشكر على مواساتهم ووقوفهم إلى جوار أهل الميت، للمساندة والدعم وتقديم الواجب الديني والأخلاقي، وليس أكثر من ذلك، ولعل صور مناسابات العزاء باتت فيها الكثير من صور البذخ والتفاخر، وخرج البعض منها عن السنة والمألوف، وحتى الأعراف، وأخذ بعضها شكلاً من الإسراف والعادات التي أصبحت عبئاً على أهل الميت، وإرهاقاً وتكاليف مادية وصحية، بعيدة كل البعد عن الواجب المأمول، في صور بدعية، ما أنزل الله بها من سلطان.
عظم الله أجركم، هو الأصل في العزاء، وهو تسلّم على أهل الميت وتدعو له بالرحمة والمغفرة، وتدعو لهم بالأجر في مصيبتهم والصبر والسلوان فقط، وأن تقدم لهم ما يخفف عنهم هذه المصيبة وفقدها، ولكن ما نراه الآن في بعض مواقف العزاء، موائد فاخرة، وتباهٍ في ما يُقدَّم للمعزين، وأصبح في بعضها يتحمل أهل الميت إطعام المعزيين لوجبات الغذاء والعشاء مدة أيام العزاء، بل إن البعض يعزم ويلزم ويصر على المعزين لكي يتناولوا هذا الطعام، وكأنها وليمة، ولا أدري أين الأجر الذي ننشده من خلال تقديمنا للعزاء لأهل المتوفى.
لقد ابتعد الكثيرون عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي قال: (اصنعوا لآل جعفر طعامًا، فقد أتاهم ما يشغلهم)، فإذا مات قريب الإنسان، أو جاره، استحب لأهله أن يصنعوا لهم طعامًا، لأنهم شغلوا بالموت، أما أهل الميت، فلا يصنعوا شيئاً، وغير ذلك يكون بدعة، نسأل الله أن يغفر لنا على ما نشهده هذه الأيام، وما يأتي بعدها.
عظم الله أجركم، لم يكتف البعض بهذا القول ويرحل لهذه المناسبة، بل نجد العديد من الناس يتبادل أطراف الحديث الجانبية، والجدال والنقاشات، بل إننا نجد البعض يتحدث عن مواضيع قد تصل إلى الفكاهة، في انتظار القهوة والشاهي وغيرها، وكأنها مناسبة حفل زفاف أو ما شابه، متناسين هول المكان والزمان والأثر السلبي على أهل الميت ومن حولهم، ولا أرى سبباً واضحاً لكل ذلك.
عظم الله أجركم، وأحسن الله عزاءكم، وغفر لميتكم، وألهمكم صبراً، وأجزل لنا ولكم بالصبر أجراً، كلها ألفاظ للتعزية، وأحسن ذلك من القول ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى)، والله أعلم.
(نصيحة بأجر، قدم واجب العزاء وارحل).