في خطوة تتعدى حدود المحلية إلى العالمية، أعلن سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان تأسيس المملكة (منظمة عالمية للمياه) بالرياض، وتهدف إلى تطوير وتكامل جهود الدول والمنظمات لمعالجة تحديات المياه بشكل شمولي، من خلال تبادل وتعزيز التجارب التقنية، والابتكارات والبحوث التطويرية، لقيام مشاريع تساهم في ضمان استدامة موارد المياه، وتعزيز فرص وصولها للجميع.
هذا الأمير الشاب لم يعد تفكيره منحصراً في حدود وطنه، وتوفير كل ما يسعد الإنسان في هذا البلد، بل امتد ليشمل تحقيق الأمن والسلم العالمي من خلال جهود إدارة المياه عالمياً.
هذه المنظمة حتماً ستقوم بالتصدي للتحديات الخطيرة جراء نقص المياه، وتحقيق الأمن المائي للأفراد والدول؛ وهي تأتي استكمالاً لدور المملكة الرائد على مدار عقود في إنتاج ونقل وتوزيع المياه، وابتكار حلول تقنية لتحدياتها؛ ومنها تحلية مياه البحر، حيث تتصدر السعودية دول العالم في إنتاج المياه المحلاة بإنتاج تجاوز مليار وستة ملايين م3 من المياه سنوياً، بنسبة 18% من الإنتاج العالمي - حسب المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة -، وتتوزع محطاتها الـ 27على الساحل الشرقي للمملكة بنسبة 49.2%، ومحطاتها على ساحل البحر الأحمر تصل إلى 50.8%، وتستفيد منها، ليس فقط المدن الساحلية ولكن، معظم مدن المملكة بما فيها الرياض، وسدير، وحفر الباطن، والمدينة المنورة، ومحافظة المهد.. وغيرها.
إن هذه الخطوة العالمية التي قام بها سموه الكريم لها دلالات مهمة، وهي استتباب الأمن، وإبعاد شبح حروب المياه، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، التي تتنازعها قوى عالمية وجيوسياسية تعمل إستراتيجياً للهيمنة على مصادر المياه، وليس أدل على ذلك من اهتمام إسرائيل بالفكر الإستراتيجي المائي ونظرية: من النيل إلى الفرات، ليس بالادعاءات الدينية فقط، بل للهيمنة على مصادر المياه الرئيسية. كما أن سيطرتها على منابع نهر الأردن في هضبة الجولان السورية ليس إلا لتوليد الطاقة الكهربائية، بسبب انخفاض البحر الميت عن البحر المتوسط، بالإضافة إلى مطامعها في نهر الليطاني في لبنان!.
والمتتبع لمشكلات سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا، يجدها ليست إلا خلافات مائية، فكل دولة تبحث عن مصالحها وحقها في الأمن المائي، وهكذا هي الأمثلة كثيرة على المستوى العالمي.
وفي كتابه: (المياه والسلام والحرب)، قدم المفكر الهندي (براهما تشيلاني) دراسة رائدة عن دور المياه في وضع أسس السلام العالمي، والتعاون الدولي في القرن الحادي والعشرين، وهو كتاب باللغة الإنجليزية، وتُرجم إلى العربية، وربط بين نقص المياه كثروة أساسية للكائنات على كوكب الأرض؛ وبين المنازعات والحروب الدولية، وأنه إذا لم يكن هناك خطط علمية إستراتيجية وتعاون دولي يُقنِّن استخدام المياه، فإن حروب طاحنة ستقع؛ لأنه ليس لها بديل آخر، وسبحان الله الخالق العظيم الذي قال: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ).
المشكلة هي أنه أصبح سعر التجزئة للمياه المعبأة أعلى من سعر البيع الفوري للنفط الخام؛ لذا بدأ الكثير من المستثمرين استغلال الفرص واعتبار المياه «النفط الجديد» في القرن الحادي والعشرين؛ ولكن هذا لا يبرر مطلقاً فواتير شركة المياه الوطنية المبالغ فيها، حيث بلغت في السنوات الأخيرة حداً تجاوز المعقول، فقد وصلت فواتير المياه في بعض الأحيان إلى عشرات الآلاف من الريالات شهرياً، في حين كانت سابقاً لا تتجاوز مئات الريالات، بل وصلت عند البعض أكثر من (120,000 ريال)، ووصلت عند جمعية خيرية إلى (400,000 ريال)، مما ساهم في استخدام صهاريج المياه في السوق السوداء.
حتماً، إن مبادرة سمو العهد في تأسيس منظمة عالمية للمياه تأتي في إطار استمراره في دعم المبادرات العالمية في المحافظة على البيئة والأراضي من التصحر، ومواجهة التغير المناخي؛ وليس مشروع الشرق الأوسط الأخضر إلا تعزيز لحماية الكوكب من تغيرات المناخ، حيث وُضِعَت هذه المبادرات على الأجندة الدولية، كما قدمت تحويلات تجاوزت 6 مليارات دولار في أربع قارات حول العالم، لصالح مشاريع المياه والصرف الصحي.
ولا شك أن هذه المنظمة ستعمل على تحديات المياه في الداخل أيضاً، وتكون ضمن أجندتها الوطنية؛ لخفض أسعار المياه ودعم مشروع (السعودية الخضراء)، بالإضافة إلى التعاون الإستراتيجي الدولي.
وفَّق الله سموه الكريم لخير الإنسانية، ولمشاريع نابعة من مملكة الإنسانية.