الزجل، هو فن من فنون الأدب الشعبي، يُقال إن أصله يعود إلى بلاد المغرب والأندلس؛ وهو شكل تقليدي من أشكال الشعر العربي باللغة المحلية، هو ارتجالي، وعادةً ما يكون في شكل مناظرة بين عدد من الشعراء الزجالين، وللشعر الزجلي فضل كبير في صياغة الذائقة الفنية، وتنمية الإحساس الجمالي.
كنا نقرأ ونحن في المرحلة المتوسطة لعدد من الزجالين في حواري مكة المكرمة، الذين كانوا يتفاعلون مع الأحياء المكية، فينظمون فيها وفي أهلها أبيات زجل جميلة، يظل يرددها المجتمع المكي دون معرفة قائلها، ومنها قول أحدهم:
أهل الحجون منبع الفرسان
أما الفرح في العتيبية
والمسفلة أهلها شجعان
وأهل جرول أفندية
وقد أجريت بعض التعديل في الأبيات، حتى تكون مناسبة لجميع الأذواق.
وأذكر وأنا في فترة النضوج في حارة المسفلة، كان هناك شاعر زجل شهير اسمه (إبراهيم شعيب) -رحمه الله- والشهير بلقب (أرامكو)، له أبيات زحل يقول فيها:
أمس الخميس ليلة الجمعة
صار القدر في ملف جرول
صامولة العكس انحلت
طار الكفر والحديد هرول
أما أشهر المناظرات في شعر الزجل، فيُقال إن عميد الأدب العربي الدكتور (طه حسين) لم يكن يُصدِّق أن شعراء الزجل يرتجلون ما يقولون.
وفي إحدى زياراته لبيروت، دعاه صديق له لحضور حفلة زجل لجوقة (شحرور الوادي)، والتي ضمت في بدايتها إلى الشحرور: (أمين أيوب)، و(يوسف عبدالله الكحالة)، و(إلياس القهوجي)، ثم انضم إليها بعد ذلك (على الحاج)، و(طانيوس عبده)، و(أنيس روحانا).
ولما دخل القاعة، وجدها مليئة بالحضور، وكانت الحفلة حامية الوطيس، رحب أحد الحاضرين من الجمهور في القاعة بعميد الأدب العربي (الكفيف)، وهتف قائلاً: «أهلاً وسهلاً بطه حسين». هنا ارتجل الشاعر الشعبي اللبناني (خليل الشحرور) على الفور قائلاً:
أهلاً وسهلاً بطه حسين
ربي أعطاني عينين
العين الوحدة بتكفيني
خذ لك عين وخلي عين
وكان في تلك اللحظة الدكتور (طه حسين) يبتسم لتلقائية وسرعة هذه الردود وظرافتها، وبينما كان الحضور هائجاً مائجاً داخل القاعة، وإذا بالشاعر الشعبي اللبناني (على الحاج) يرتجل قائلاً:
أهلا وسهلاً بطه حسين
بيلزم لك عينين اثنين
تكرَم شحرور الوادي
منك عين ومني عين
هنا كبرت البسمة على شفتي (طه حسين)، بينما أصوات الجمهور تتعالى وتكاد تهد القاعة، وإذا بالشاعر الشعبي اللبناني (أنيس روحانا) يفاجئ الجميع بارتجاله هذه الأبيات:
لا تقبل يا طه حسين
من كل واحد تأخذ عين
بقدم لك جوز عيوني
هدية لا قرضة ولا دين
ضحك (طه حسين) وضجت القاعة ولكن بخوف، إذ ما بقي للشاعر الرابع ليقول.. لكن (طانيوس عبده أفندي) الشاعر الرابع، فاجأ (طه حسين) والجمهور بقوله:
ما بيلزم لو طه حسين
عين ولا أكثر من عين
الله اختصه بعين العقل
بيقشع فيها عالميلين
فما كان من الدكتور (طه حسين) بعدها، إلا أن وقف وصفق طويلاً تحية للجميع، وغادر هو وصديقه قاعة الحفل.