ساعد التنوع الثقافي والجغرافي في المنطقة الجنوبية على فرز العديد من الأنماط والتعبيرات الخاصة في فنونها الشعبية المتنوعة لكل ناحية فيها، خاصة وأنًها تضم العديد من المناطق الجبلية والساحلية، وكل ناحية منها تتمايز بلون خاص يعبر عن ثقافتها، ورغم هذا التنوع إلّا أنّنا نجد في جازان كافة الألوان الشعبية ترتبط بخيط واحد، وهناك نغمة مشتركة تجمعها مع بعضها البعض. والسيف والعرضة من أبرز الفنون الشعبية في جازان، ووهو عبارة عن رقصة تُؤدَّى من خلال القيام بالعديد من الحركات السريعة المنسجمة مع بعضها البعض، وتعتمد على إيقاعات الطبول، وهي تُؤدَّى بطريقة المقابلة بين شخصين لفترة قصيرة، ثم يتقابل غيرهما، وهكذا.. ورقصة السيف تؤدَّى في حركات صامتة دون أناشيد أو أبيات شعرية.. والمجتمعون للمشاهدة يكونون على شكل صفوف نصف دائرية، وفي منتصف الصفوف يقف العازفون يقرعون الطبول، ويقوم اللاعبون بتشكيل صف أو صفين وبأيديهم السيوف أو «الجنابي» ثم يبدأون في الرقص مع تناقل الأقدام وهم سائرون إلى الأمام في مسيرة منتظمة.
ورقصة الشباب من بين أبرز الفنون في جازان.. وفن «العزاوي»، من الفنون الراقصة التي تعتمد على الرشاقة والحركة السريعة، وهو خاص بفئة الشباب لأنّها تعتمد على مرونة عصب الشاب، ورقصة العزاوي لا أناشيد فيها، بينما نجد فن الطارق يجمع بين الشعر والموال واللحن في تمازج جميل يجعل هذا الفن مختلفاً عن بقية الألوان التراثية في جازان.
ومن بين الفنون «الزيفة»، وهي رقصة تؤدى في مكان فسيح خارج المدينة أو القرية، وتتكون من صفين متقابلين يتوسطهما أصحاب الطبول، ويقوم الشاعر الشعبي بالانتقال بين الصفين ليملي على اللاعبين شعره لينشدوه، كل صف على حده.
وهناك رقصات وعرضات شعبية من قبائل عسير في قحطان وشهران وبني شهر وباللحمر وباللسمر تهامة عسير، يتوارثها الشباب أباً عن جد، وتمارس في الأعياد والأفراح، وحتى في الصلح بين القبائل، باعتبارها طقسًا شعبيًا يتشرف به الضيوف لدى القدوم على القبيلة الأخرى، فترتفع أصواتهم مرددين كلمات يكيلون فيها المديح للزائرين.
ورقصة الخطوة العسيرية، تؤدَّى في مناسبات الزواج وغيرها، وهي من أعرق الرقصات الشعبية في منطقة عسير.. وهناك الزامل، وهو غناء جماعي يؤديه الرجال فقط، وقد اشتهرت به سراة عبيدة في مناسبات الزواج والختان، ويمتاز بالإيقاع والأنغام الشعبية.. وهناك «العرضة»، وهي رقصة حماسية تشمل المديح والفخر.. أمّا «الدوارة»، فهي من أحدث الفرق الشعبية في منطقة عسير وهذا اللون يوجد في قرى آل خلف بني بشر فقط، وهو من أعرق الفنون الشعبية في بلاد قحطان.. والدمة والزحفة والقزوعي والزامل، واللعبة، وغيرها، وأصبح لهذه الرقصات والعرضات فرق معروفة كفرقة شهران وفرقة عسير وقحطان، وتتكون من مجموعة من الشباب تشارك في إحياء حفلات مهرجانات الصيف والأعياد والمناسبات الوطنية.
وبعد كتابتي لأكثر من 42 مقالة عن رؤية 2030، لم أكن أتصور أن يصل حجم ما كتبته عنها يفوق الخمسمائة صفحة، ليخرج في كتاب أفخر به، أهديته لمؤسس السعودية الجديدة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان ولعرّاب الرؤية الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله-، وستصدره مكتبتي الإلكترونية في اليوم الوطني الـ93.
وقد أزالت الرؤية ما يعترض طريق المواطن، كبعض الأفكار والآراء المتطرفة التي كانت تحرم كل إبداع، وكانت سبباً في تأخرنا عن اللحاق بركاب التقدميْن العلمي والتكنولوجي، وقد أسست المملكة أهم المراكز المتخصصة للتصدي لخطاب التطرف، كمركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين الأديان والثقافات، والمركز العالمي لمكافحة التطرف (اعتدال)، ومجمع الملك سلمان للحديث النبوي الشريف، فأسهمت في تصحيح الخطاب الديني المفسّر من قبل البشر.
كما أسهمت الرؤية في تصحيح منظومة الأنظمة والقوانين، ليتم التطبيق الصحيح من خلال إعادة بناء البيئة التشريعية لتواكب تطورات المرحلة، وامتدت مبادرة تطوير المنظومة التشريعية لأهم وأعرق جهاز في مؤسسات الدولة، وهي هيئة الخبراء بمجلس الوزراء باعتبارها الجهاز الفني الذي يعنى بدراسة مشروعات الأنظمة والقرارات والأوامر في المملكة، وذلك بفصله عن ديوان مجلس الوزراء، وبذل مزيدًا من الاهتمام بتطويره وكوادره البشرية، وصولًا لتكون هيئة الخبراء النموذج الرائد، وأحد المدارس القانونية ذات مرجعية على مستوى العالم في إعداد دراسة مشروعات الأنظمة وصياغتها.
كما اهتمت الرؤية بتعزيز القيم الإسلامية والحفاظ على الهوية الوطنية، وتنمية الحس بالمسؤولية الاجتماعية وجعلها الركيزة الأساسية للرؤية مع تنمية القدرات البشرية ورعاية الموهوبين والمُبدعين وحقوق المعاقين، وتمكين المرأة.
وممّا يلحظه الراصد لإنجازات الرؤية وقفزاتها أنّها أسهمت في تسليط الضوء على مصطلحات جديدة بجعلها عناوين رئيسية لبرامجها، استوقفتني لتناولها في كتاب «السعودية الجديدة ورؤية 2030» في عشرين مبحثًا، لما حملته من بعد إنساني وحضاري، كجودة الحياة، والمسؤولية الاجتماعية، والحفاظ على الهُوية الوطنية، والحفاظ على القيم الإسلامية، وتجديد الخطاب الديني، والمنظومة العدلية والقانونية، وتوطين الصناعات، والتنمية الريفية والحضارية المستدامة، والسعودية الخضراء، وغيرها كثير.
دام عزك يا وطني.