في عز النجاحات التي تحقّقها على كافة المسارات والأصعدة، تحتفل المملكة بذكرى يومها الوطني المجيد، وتسترجع تلك اللحظات الخالدة عندما جمع المغفور له - -بإذن الله- الملك عبدالعزيز آل سعود كلمة أهل هذه البلاد المباركة تحت راية التوحيد، ووحّد صفوفهم وقلوبهم، معلناً قيام المملكة العربية السعودية لتنطلق الدولة الوليدة وتبدأ مسيرتها نحو النهضة والتطور في ظل قيادتها الرشيدة، وتحقق نجاحات لافتة وتنجز أهدافاً كبيرة.
أتى ذلك اليوم الميمون بعد جهودٍ كبيرة قام بها الملك المؤسس وأصحابه الميامين، الذين آمنوا بدعوته وصدق توجهه لنشر العدل في أرجاء شبه جزيرة العرب، بعد أن تفرقت قبائلها وتشرذم سكانها وانتشرت بينهم حالة من الفوضى والانفلات الأمني، وتردَّت الأحوال المعيشية نتيجة لحالة الحروب التي كانت تندلع لأبسط الأسباب.
كانت دعوة الملك عبدالعزيز للوحدة في ذلك الوقت؛ كضوء في قلب الظلام، لذلك سرعان ما التف حوله المؤيدون وتكاثر الأنصار، فقدموا أنفسهم فداءً لما نادى به قائدهم، ووهبوا أرواحهم ثمناً لتحقيق ذلك الهدف السامي. لذلك استطاعوا تحقيق الحلم الذي طال انتظارهم له، وتم إعلان تأسيس الدولة.
اهتم قائد المسيرة بتثبيت دعائم الأمن، وتحقيق النهضة لإسعاد الناس، ونشر العدل كأساس للملك، لأن الدول التي تقوم على الحق؛ لن تعرف طريق التراجع. لذلك حجزت المملكة مكانها بين الأمم المتقدمة، وبدأت تنتقل من نجاحٍ إلى آخر.
بعد رحيل الملك عبدالعزيز – رحمه الله – جاء أبناؤه البررة من بعده، وبذلوا جهوداً كبيرة، وساروا على نفس الطريق الذي رسمه والدهم، وتمسكوا بالنهج الذي يقوم على التمسك بكتاب الله وثوابت المجتمع وتقاليده، مع استصحاب معطيات العصر، واستعانوا بالصادقين من أبناء هذه البلاد، فواصلت البلاد الانتقال من نجاحٍ إلى آخر، واستمرت تخطو بثبات وثقة وسط عالم مضطرب. فانتشرت في أرجائها المؤسسات والشركات والطرق، وأنشئت المستشفيات الكبرى في جميع المدن، وتم بناء المدارس والجامعات.
ومع أن المملكة بدأت مسيرة التنمية منذ قيامها واستمرت خلال الفترة السابقة، إلا أن ما نشهده خلال هذا العهد تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- يحمل بعداً آخر، ودلالات عميقة، فقد تحققت قفزات تنموية في مختلف المجالات، ولم تقتصر مسيرة الإنجازات على ميدان الاقتصاد وحده، فهناك نجاحات أخرى على كافة الأصعدة، اجتماعياً وثقافياً وسياسياً. كل ذلك على هدي رؤية المملكة 2030، التي حمل لواءها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فجاءت ترجمة صادقة لرغبات أبناء هذه البلاد، وتغيير واقعهم إلى الأفضل، وتحقيق العديد من الأهداف والتطلعات، في مقدمتها مساعدة الشباب السعودي على تطوير مهاراته ورفع مقدراته، إيماناً من القيادة الكريمة بأن الشباب هم أعز ما تملكه الأمم، وأغنى الثروات وأكثرها أهمية، كما هدفت الرؤية إلى تطوير الاقتصاد وزيادة الموارد وتعزيز القدرات.
لذلك، فإن ما تحققه المملكة في الوقت الحالي من إنجازات ومكاسب؛ ليس مجرد نهضة اقتصادية، بل إستراتيجية مدروسة وواضحة تستهدف المستقبل بعيد الأمد، تحمل توجهات ورؤى تنموية واضحة، وفق معطيات واقعية تستصحب إمكانات البلاد، وتقوم على تفعيل كافة مقدراتها للوصول إلى الأهداف المنشودة، وفي نفس الوقت تعتمد على تحقيق أكبر قدر من التنمية المتوافقة مع ما تشهده البلاد من جهود حثيثة؛ لتعزيز مناخ الحرية والانفتاح والتطور والمواطنة، وتعزيز حقوق الإنسان، التي تعد في مقدمة اهتمامات المملكة، وتبذل في سبيلها جهوداً مقدرة.
ونتيجة لتلك السياسات الحكيمة؛ أصبحت المملكة في عصرنا الحالي وجهة أساسية لرجال الأعمال والمستثمرين من كل أنحاء العالم، بعد أن وجدوا فيها ملاذاً آمناً لاستثمار أموالهم، والاستفادة مما تملكه من بنية تحتية متميزة واستقرار سياسي فريد، وانتشار للأمن والأمان في كل ربوع البلاد، وذلك بفضل الله أولاً، ثم جهود هذه القيادة الرشيدة.
لكل ذلك فإن مشاعر الفرح التي نبديها خلال هذه الأيام؛ ويشاركنا فيه إخواننا من الدول العربية والإسلامية، ومن جميع أنحاء العالم، هي رد فعل طبيعي يعكس إحساسنا بالفخر لما تحقق، وتفاؤلنا بالمستقبل المشرق، وتطلعاتنا لغد أفضل في ظل قيادتنا الحكيمة التي تواصل الليل بالنهار لإسعادنا. لذلك فإن المطلوب منا هو المزيد من التلاحم مع ولاة الأمر، وتقوية اللحمة الوطنية، وتنزيل مشاعر الولاء والطاعة لتصبح واقعاً على الأرض، وليس مجرد شعارات.