تنقسم شخصيات الأزواج حول العالم إلى ٣ أقسام، فمنهم الشديد ذو الصُرْعة، ومنهم الليّن ذو الرُخْوة، ومنهم المعتدلون، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، بل ما بين ذلك تبعاً للمواقف، والمعتدلون هم خير الأزواج من وجهة نظري المتواضعة!.
ومن الأزواج الذين ظننتهم أشدّاء عند التعامل مع زوجاتهم؛ أشقّاؤنا الباكستانيون، فوجوههم صارمة، وشواربهم تقف عليها الصقور، وأصواتهم خشنة تُنذر بالشرّ المستطير، ويصدق عليهم قول الشاعر:
تَبْرُقُ عيْناهُ إذا ما رأيتها..
وتَعْبَسُ في وجه الضجيعِ وتكْلحُ.
ويفْتَحُ فماً لو رأيته..
توهّمْتَهُ باباً من النار يُفْتَحُ.
غير أنّ ظنّي قد خاب عندما كثُر استخدامي لسيّارات الأجرة مؤخراً لتعطّل سيّارتي، ولا أستخدم تطبيق أوبر، بل أمشي في الشارع حتّى أجد سيّارة أجرة ممّا غالبية سائقيها من الجنسية الباكستانية، الذين تركوا زوجاتهم هناك، والمسافة بين السعودية وباكستان هي ٣ آلاف كيلومتر لو قسناها بين الرياض وإسلام أباد تقريباً، والفارق الزمني هو ساعتان، ويختصر السائقون المسافة والزمن للتواصل مع زوجاتهم؛ بالاشتراك في إحدى باقات الإنترنت الرخيصة، والتحدّث معهم بالجوّال عبر سمّاعات الأذن، ويتحدّثون مع زوجاتهم ومع الزبائن في وقتٍ واحد، وهذه موهبة فريدة لا يتمتّع بها إلّا الأشقّاء الباكستانيون!.
وفي أحد مشاويري، ظلّ السائق يتحدّث مع زوجته، وسمعته يذكر في كلامه باللغة الأوردية اسم المكان الذي ذكرته له ليوصلني إليه، فسألته عمّن يتحدّث معه، وكنت أظنّ المتحدّث رئيسه في الشركة مالكة السيّارة، فأجاب بلغته العربية الركيكة أنّها زوجته في باكستان، وقد سألته هي عن الزبون الذي معه (تقصدني أنا)، وأين وجهته؟، وحينما وجدني اجتماعياً وغير منغلق، بدأ يُترجم لي ما قالته له، وهو عبارة عن أوامر ونواهي، تريده أن يزيد سعر الأجرة، والانتباه في السياقة، وألّا يقترف مخالفات، لأنّها سمعت عن كثرتها في السعودية مع غراماتها المختلفة، ثمّ انخرطت في حديث يخصّ أولادهما ومشاكلهما، وهو يُصغي ويردّ بكلمتين فقط هما نعم وحاضر، فـ (يَحْلِيلَهما)!! زوجة تراقب زوجها ليل نهار، وتستفسر عنه وعن عمله وزبائنه، وتأمر وتنهي من على بعد آلاف الكيلومترات، وزوج مُخْلِص ومُطيع وخاتم من ذهب في أصبعها، لو تعلم عنه النساء من الجنسيات الأخرى لانهالت عليه عروض الزواج من كلّ حدبٍ وصوب، وزبون غافل (الذي هو أنا)، قد وجد نفسه محور تبادل أحاديث زوجية عابرة للقارّات والقفار والبحار!.