تعد صناعة النسيج من أهم الصناعات في العالم، حيث تلعب دورًا مهمًا في توفير الملابس والأقمشة التي تستخدم في حياتنا اليومية، فهي موجودة في كل شيء حولنا تقريبًا، فالنسبة الأكبر من المنسوجات تستخدم في صناعة الملابس الجاهزة، والمستلزمات المنزلية مثل الستائر والبطاطين والشراشف والمناشف، وآلاف المنتجات الأخرى، التي تشمل شبك كرة السلة، وأشرعة المراكب، وأغلفة الكتب، والسيور الناقلة، وخراطيم الحريق، والأعلام، والمواد العازلة، والمظلات الجوية وشرائط الآلة الكاتبة، والمظلات، والأحذية وتدخل في صناعة الإطارات وبطانة مكابح السيارات، كما تستخدم المستشفيات منتجات النسيج في الأشرطة اللاصقة والأربطة وخيوط الجراحة، وهذا ما يشير إلى أهمية هذه الصناعة في أي دولة باعتبارها صناعية أساسية تمهد للتوسع في الكثير من الصناعات.
وعلى الرغم ما يشهده القطاع الصناعي من قفزات غير مسبوقة، وزيادة أعداد المصانع بنسبة 31% لأكثر من 10 آلاف مصنع، إلا أن صناعة الملابس بشكل خاص لا تُشكِّل سوى 10% من حجم الملابس والأقمشة المطلوب سنويًا، حيث تمثِّل الواردات السعودية من الملابس حوالى 90%، وهذا ما يُؤكد أن هناك طلباً محلياً مرتفعاً بحاجة إلى تغطيته وتلبيته من الأقمشة والملابس، وهو ما يعني وجود الكثير من الفرص الاستثمارية التي لم تستغل حتى الآن في هذا القطاع، حيث قدر حجم سوق الأزياء في جانب الثوب السعودي بحوالى 8 مليارات ريال سنوي، بمعدل إنتاج 40 مليون ثوب سنوي، بينما تبلغ التقديرات في مجال العبايات، ضعف تقديرات الثوب السعودي بشقيه الجاهز والتفصيل، فوصل حجم سوق الأزياء في المملكة بـ75 مليار ريال، بما يعادل1% من الناتج المحلي غير النفطي، ونسبة نمو تقدر بـ3%، وفقًا لجريدة الرياض.
فكرة عدم تلبية متطلبات السوق المحلي لا يتعلق فقط، بعدم القدرة على صناعة الملابس بالجودة العالمية، فقد أتفهم مؤقتًا عدم تصنيع البدل الرجالية محليًا بنفس المواصفات العالمية، ولكن ما يؤسفني حقيقة أن أجد الملابس الداخلية الرجالية التي تُباع داخل الأسواق مُصنعة في تركيا، أو الصين، رغم سهولة تصنيعها وقلة تكلفتها، فمثل هذه الملابس لا تحتاج إلى تصميمات حصرية، فتكاد تكون هذه الملابس بشكل واحد بدون أي تغيير تقريبًا، هناك حاجة ماسة لتحويل صناعة الملابس إلى صناعة قوية تساهم في زيادة الناتج القومي، خاصة أن هذه الصناعة مرتبطة بهويتنا، ولذلك هناك ضرورة لإطلاق مبادرة لدعم صناعة الملابس، وإقامة ملتقى صناعة الملابس الوطنية يتضمن ورش عمل للارتقاء بالعاملين في القطاع، ومعرفة التحديات التي تواجه الصناعة المحلية، واتخاذ خطوات عملية، وإطلاق محفزات لهذه الصناعة، ليس هذا فقط بل إن هناك ضرورة لتوجيه دعوة للعلامات التجارية العالمية المتواجدة في المملكة لتعزيز وجودها في الأسواق، من خلال فتح مصانع داخل البلاد، وإنتاج ما يتم بيعه في الأسواق محليًا، وهذا من شأنه أن يُساهم في نقل الخبرة العالمية إلى داخل السوق السعودي.
الملابس صناعة ضخمة جدًا عالميًا، ومن المهم أن ندخل إلى هذا القطاع بقوة على المستوى المحلي في البداية، والاستحواذ على جزء من السوق العالمي، فهذه الصناعة كفيلة بتحويل قطعة قماش قد تباع بـ20 أو 30 دولارًا، إلى قطعة أزياء تباع بمئات الدولارات، وأحيانًا آلاف الدولارات، خاصة في الملابس النسائية، فمن المتوقع أن ينمو حجم سوق الملابس العالمي من 1.33 تريليون دولار أمريكي في عام 2023 إلى 1.67 تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2028، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 4.63٪، وهو ما يعني أن هذا القطاع واعد للغاية، ومن الضروري من الدخول إليه بقوة، خاصة وأنه لا يحتاج إلى تكنولوجيات معقدة، بل الى عزيمة وقرار واصرار وعمل.
وأخيرًا وليس آخرًا، فتعد صناعة النسيج بشكل عام، وصناعة الملابس بشكل خاص من أهم الصناعات الحيوية في البلاد، ومما يفخر به باننا نصنع ما نلبسه، ومن الممكن أن تلعب دورًا هامًا، خاصة إذا ما بُنيت ايضا من أجل التصدير، وليس لتوفير احتياجات السوق المحلي فقط، خلاف دورها في توفير الكثير من فرص العمل للمواطنين، وزيادة الدخل القومي بعيدًا عن النفط الذي يعد المورد الرئيس للبلاد.