جهود متواصلة يبذلها البنك المركزي وكافة البنوك التجارية لتحذير العملاء من التجاوب مع الرسائل المشبوهة؛ التي تدعوهم لتحديث بياناتهم المصرفية، وتطالبهم بإرسال بعض المعلومات السرية بذريعة استكمال عمليات التحديث، لدرجة أن هذه الرسائل التحذيرية باتت مثبتة على كثير من أجهزة الصرف الآلي المنتشرة في كافة مناطق المملكة، لتحذير عملاء البنوك من الوقوع ضحايا لهذه الشبكات المحتالة.
وهذه الظاهرة ليست مرتبطة بدولة دون الأخرى، حيث تنتشر في كثير من دول العالم، ونسمع عن كثير من حالات الاحتيال المالي التي تثير الدهشة، لكن نلاحظ تركيزاً كبيراً من هؤلاء المحتالين على مواطني الدول الخليجية، التي تمتاز بارتفاع معدلات الدخل بين سكانها، نتيجة لما تشهده من نهضة اقتصادية، جعلتها هدفاً لعصابات الاحتيال المالي، التي تمارس أنشطتها من مختلف الدول.
ونطالع في كثير من الأحيان رسائل على الهواتف المحمولة، أو البريد الإلكتروني، عن الفوز بجائزة «يانصيب» بمبالغ مغرية يسيل لها اللعاب، ويطلب مرسلو هذه الرسائل من ضحاياهم إرسال أرقام الحساب لتحويل تلك المبالغ، ومع أن هذه الطريقة تبدو في غاية السذاجة، إلا أنه من المدهش أن هناك بعض البسطاء الذين لا زالت تنطلي عليهم، وهؤلاء في الغالب هم من تسيطر عليهم أوهام الثراء السريع.
في ذات الوقت، يفاجأ كثير من الناس باختفاء أموال من حساباتهم البنكية، وذلك بعد تمكّن المحتالين من السيطرة على حساباتهم عبر بث البرمجيات الخبيثة، واختراق الأجهزة، ونشر الفيروسات، وبرامج الفدية، والتجسس الرقمي.
ورغم الأساليب الجهنمية والشيطانية التي يلجأ إليها هؤلاء المحتالون، ومحاولاتهم لإغراء ضحاياهم وإيقاعهم في الفخ، إلا أن ذلك لا يمكن أن يكون مبرراً لإرسال رقم حساب بنكي أو صورة بطاقة صراف آلي لأشخاص لا نعرفهم، ولا تربطنا بهم أي سابق معرفة، كما أن البنوك تُحذِّر باستمرار في رسائلها التوعوية من التعامل مع الرسائل التي تنتحل اسمها، وتشدّد على أن موظفيها لا يطلبون أي بيانات خاصة من العملاء، وأن تحديث البيانات يتم؛ إما عبر زيارة البنك، أو بواسطة أجهزة الخدمة الذاتية المنتشرة في كثير من المواقع.
ويعزو كثير من المختصين تزايد حالات الاحتيال المالي - التي باتت تشكل هاجسا للحكومات وكافة الدول، لا سيما مع تشابك النظام المالي وارتباطاته عبر الدول - إلى التطور التكنولوجي المذهل الذي نشاهده بصورة متواصلة في حياتنا بشكل يومي.
من المفارقات أن هذه الجرائم - التي تكتسب قدراً كبيراً من الخطورة - يحتاج حدوثها إلى دقائق معدودة، فيما يتطلب الكشف عن مرتكبيها وملاحقتهم وتقديمهم للمحاكمة فترات زمنية طويلة، كذلك فإن كثرة وقوعها يمثل تهديداً حقيقياً وبالغ الخطورة على المنظومة الاقتصادية ككل، وقد تصل إلى مرحلة تهديد الأمن الوطني، لأن نتيجتها النهائية هي بث ظلال من التشكيك وعدم الثقة في اقتصادات الدول، وتنفير رؤوس الأموال الأجنبية، وهو ما يضرب الجهود الحكومية التي تهدف لضخ أموال إضافية في دورة الإنتاج.
إضافة لذلك، فإن انتشار جريمة الاحتيال المالي يسهم في تفشي جرائم أخرى مرتبطة بها، مثل غسل الأموال، والتجارة غير المشروعة، مثل تهريب وترويج المخدرات، أو الإتجار في البشر، وبيع الأسلحة، وجرائم الفساد المالي والإداري، حيث يلجأ كثير من المتورطين في تلك الجرائم للاحتيال لإسباغ الشرعية على أموالهم، وإدخالها في حساباتهم البنكية.
وللتصدي لهذه الجريمة التي تصل حد محاولة تخريب الاقتصاد الوطني، فإن هناك تعاون وثيق يجري بين البنك المركزي والبنوك التجارية والمؤسسات المرتبطة بالحماية السيبرانية، إضافة إلى ما تبذله النيابة العامة والأجهزة المختصة بوزارة الداخلية للتصدي لشبكات الاحتيال المالي، وهي جهود أسهمت في الحد من انتشار هذه الأنشطة الهدامة.
لكن، وحتى تنجح تلك الجهود لا بد من الاهتمام بزيادة ورفع الوعي بين المواطنين والمقيمين، بعدم التجاوب مع الرسائل المشبوهة، ومسحها فورا من أجهزتهم، والإبلاغ عن الأرقام المجهولة التي تردهم منها المكالمات والرسائل لحظرها ومتابعتها، واتخاذ الإجراءات القانونية بحق أصحابها.