قال أعرابي لزوجته: "أنتِ طالقٌ حتى حين"، هذه العبارة قالها الأعرابي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأراد أن يتحلّل من يمينه، ويعود إلى زوجته، فعندما لم يجد الرسول، ذهب إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقال: حرمت عليك حتى الموت، ثم ذهب إلى عمر، فقال: حرمت عليك 40 سنة، فتركه وذهب إلى عثمان بن عفان فقال: حرمت عليك عاماً كاملاً، فتركه وذهب إلى علي بن أبي طالب، فقال: حرمت عليك ليلة واحدة، وظل يبحث عن رسول الله حتى وجده في بستان لدى أنصاري، وقصَّ عليه ما حدث، فبعث مرسلاً إلى أصحابه، ولما جاءوا إليه سألهم: لماذا يا أبا بكر حرّمتَ عليه زوجته حتى الموت؟، فقال الآية من القرآن: (فمتَّعناهم إلى حين)، ومعنى الحين هنا: حتى الموت، فقال رسول الله: وأنت يا عمر؟، فقال من القرآن: (هل أتى على الإنسان حينٌ من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً)، وحين هنا: أن آدم مكث في الجنة أربعين سنة قبل أن ينزل الأرض، فسكت رسول الله ثم قال: وأنت يا عثمان، لماذا حرّمتَ عليه زوجته عاماً؟ قال من القرآن يا رسول الله: (ألم ترَ كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها)، والحين، أكثر الشجر يثمر كل عام مرة، فسكت الرسول وقال: وأنت يا علي، قال من القرآن (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون)، وحين هنا تعني ليلة.
فسُرَّ النبي من أصحابه، وقال للأعرابي: "خذ برأي علي بن أبي طالب، فإنه أيسر لك".
وهذا الأمر يقودنا إلى أن على المرء أن يبحث عن الأيسر، وهذه الرواية وجدت في (فضائل الصحابة) للبيهقي، ووردت أيضاً في كتاب (تحفة المجالس) للإمام الصفوي، وفي غيرهما، وهي تعكس بجلاء سماحة الدين الإسلامي ومدى تسهيل الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام علينا باختيار أسهل الأحكام وأكثرها ملاءمة لنا.
وفي هذا السياق لا بد من التأكيد على الحديث المعروف بين المسلمين: "يسّروا ولا تعسّروا، وبشِّروا ولا تنفّروا"، وهذا هو النهج الذي سار عليه سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فهو يحب التخفيف والتيسير على الناس وما خُيِّر بين أمرين إلّا اختار أيسرهما، ما لم يكن محرماً، وما فعل ذلك صلى الله عليه وسلم إلّا لكي يحبب الناس بالله، ويرغّبهم في الخير، ولإظهار سعة رحمة الله بعباده، وأنه رضي لهم ديناً سمحاً، وشريعة مُيسّرة.
إنها مسؤولية كبرى تقع على كاهل كل العاملين، في حقل الدعوة الإسلامية، بمراعاة الهدي النبوي، والتيسير على الناس. وأحسب أن العقلاء آخذون بهذا المنهج تفادياً للوقوع في المحظور، والعياذ بالله.