تعد سياسة تفقير الدول جريمة إنسانية تؤدي إلى معاناة ملايين البشر، وتسعى الدول القوية إلى إفقار الدول الأضعف، من أجل السيطرة عليها اقتصاديًا وسياسيًا أو لأسباب تمييزية، فالغرب يستحوذ على أغلب موارد دول العالم الثالث، خاصة الدول الأفريقية، ولم يترك فرصة حقيقية للدول الفقيرة أن تتقدم، فهذه الدول إما مكبلة بالديون للدول الغنية أو للمؤسسات الدولية التي تدور في فلك دول العالم الأول مثل صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي، وإما هناك سيطرة من قبل الدول الغنية على كافة موارد الدول الفقيرة الاستراتيجية، وبالتالي لا توجد أي فرصة حقيقية للإفلات من كماشة التفقير المتعمد.
تقدم الدول الإفريقية غير مطلوب غربيًا، فبعض الدول الغنية تعيش على مص دماء هذه الدول، فعلى سبيل المثال تمتلك فرنسا رابع أكبر احتياطي عالمي من الذهب بحجم يقدر بـ2436 طنًا، رغم عدم وجود منجم ذهب واحد على أرضها، بينما لا تمتلك دولة مالي أي احتياطي من الذهب، رغم امتلاكها 860 منجمًا للذهب، سياسة الإفقار للدولة الكبرى لم تقف عند الاستحواذ على الذهب، بل امتدت إلى التحكم والسيطرة وإنتاج عملة الدول الإفريقية التي تعد العمود الرئيسي لاقتصادات الدول، فباريس وحدها تطبع عملة «الفرنك CFA» وهي العملة الرئيسية لـ14 دولة إفريقية، فمن خلال الفرنك الأفريقي نجحت فرنسا في الحفاظ على دورها في الهيمنة الاقتصادية على اقتصادات هذه الدول.
النيجر هي رابع أكبر منتج لليورانيوم عالميًا الذي يُعد العنصر الرئيسي في الطاقة النووية، ففي عام 2021 زودت الاتحاد الأوروبي بما يقرب من 25% من إمدادات اليورانيوم، مما ساعد على إنتاج الكهرباء لملايين الأسر الأوروبية، و35% من اليورانيوم المستخدم في المفاعلات الفرنسية يأتي من النيجر، وكان من المفترض أن يساعد اليورانيوم في مكافحة الفقر بالبلاد، لكن ما حدث هو العكس تمامًا، بسبب العقود الاحتكارية للحصول على اليورانيوم بأسعار بخسة، فلم تستفد النيجر على مدار تاريخها كثيراً من ثراء تربتها بهذا المعدن النفيس، ففي 2020 لم تتجاوز مساهمته في الميزانية الوطنية 1.2%، وهذا يعني أن هذه الدول الفقيرة أو الإفريقية بشكل خاص، وإن حصلت على التحرر من الاستعمار العسكري في الستينات، إلا أنها دخلت مرحلة أخرى من الاستعمار، ألا هو الاستعمار والاستنزاف الاقتصادي، وهو ما يفسر سبب الانقلابات العسكرية المدعومة شعبيًا في هذه الدول خلال الأشهر الأخيرة ضد التواجد الفرنسي سواء في النيجر أو مالي أو بوركينا فاسو.
هناك الكثير من الدلائل على أن هناك سياسة تفقير ممنهجة، تمارس من قبل الغرب ضد الدول الفقيرة، حيث حدث ارتفاع غير مبرر في الأسعار، رغم أن أسعار النفط أو رواتب الأيدي العاملة لم ترتفع بصورة كبيرة، بل على العكس تمامًا، الكثير من أصحاب الحرف المختلفة قد يقبلون بأقل القليل، حفاظًا على فتح بيوتهم، خاصة مع قلة الأمل في الحصول على فرصة عمل جديدة، وكانت الحجج وراء ارتفاع الأسعار، هو تداعيات كورونا من إغلاقات عالمية وتأخر في سلاسل الإمداد والتوريد، ولكن الارتفاعات كانت كبيرة وغير مفهومة، حيث حققت شركات الشحن البحري أرباحا قياسية، فقد قفز متوسط سعر شحن حاوية بين آسيا وأوروبا من 1500 دولار مطلع عام 2020 لأكثر من 10 آلاف دولار، بدون أي تفسير مفهوم لهذه الزيادة.
وفي الأيام الأخيرة كثر الحديث عن انتشار حمى الضنك في الكثير من الدول عن طريق البعوض بصورة مفاجئة، وهو ما يثير الشكوك حول افتعال أو اختلاق هذا المرض، خاصة وأن هناك الكثير من الشواهد الموثقة تؤكد بأن هناك تجارب علمية لاستخدام البعوض في القضاء على الأمراض مثلما أُعلن في البداية، ولكن ما حدث هو العكس تمامًا، ففي مايو الماضي، سمحت وكالة البيئة الأمريكية لشركة أوكزيتيك، بإنتاج ذكور بعوض معدل وراثيا من فصيلة أيدس أجيبتي التي تُعرف بدورها في نشر أمراض قاتلة مثل حمى الضنك، وفيروس زيكا، والحمى الصفراء، وفقًا لموقع الـbbc، وهذا ما قد يفسر انتشار حمى الضنك عالميًا خلال الأشهر القليلة الماضية، وهو ما يطرح الكثير من التساؤلات حول وجود ربط بين سياسة تفقير العالم ونشر بعض الأمراض من قبل الدول الكبرى، كوسيلة لاستنزاف موارد العالم.
وأخيرًا وليس آخرًا، فسياسة التفقير، وإن كانت ممنهجة ضد الدول الفقيرة أو ضد دول العالم الثالث بشكل عام، فما زالت هناك فرصة للهروب والإفلات من كماشة التفقير المتعمد، من خلال التسلح بسلاح الوعي، والحذر قدر الإمكان، وعمل المستحيل للوصول للاكتفاء الذاتي وأن نصل إلى كلمة نحن نفخر»أننا نصنع غذاءنا ودواءنا وسلاحنا» فالأساس كل الأساس «لا نهضة بلا صناعة» فبالعلم والوعي يستطيع الإنسان أن يحقق المستحيل.