قبل عدة عقود كانت المجتمعات العربية ومنها بالطبع مجتمعنا السعودي كانت تعيش حالة ترابط أسرية واجتماعية متينة جداً حتى إن الفرد في تلك الفترة الزمنية كان يشعر بحميمية ذلك الترابط من خلال التواصل المستمر ومن خلال بناء العلاقات بين الأفراد والجماعات، حيث تجد جميع المحيطين بالفرد يتبادلون أواصر المحبة والمودة في حالات الفرح والترح على حد سواء، وهذا بالطبع أنتج مجتمعاً قوياً متماسكاً متواداً متراحماً حتى لو حدث بعض المنغصات المحدودة التي لا تلبث أن تزال سريعاً من قبل بعض المصلحين، لكن في هذه المرحلة الزمنية التي نعيشها وفي خضم المتغيرات المتسارعة التي تغزونا من كل اتجاه في مختلف المجالات الحياتية التقنية والاجتماعية والاقتصادية بدأت حالات التفكك الاجتماعي تنخر جسد المجتمع وتقطع أوصاله، فالأسرة التي تعد النواة الأولى للمجتمع أصبحت مفككة متباعدة كل زوجين يعيشان حياة منعزلة عن الوالدين أو الاخوة فذابت الأسرة الممتدة التي كانت تجمع ولا تفرق، ثم زاد الطين بلة تلك التقنية المتسارعة التي زادت من حالات التباعد بعد أن تحول التواصل الاجتماعي من خلالها إلى تواصل عن بعد لا يحمل أي تواد وتراحم، وهذا الخلل الاجتماعي نتج عنه الكثير من ذبول القيم الاجتماعية الفاضلة والكثير من السلوكات المنحرفة، وزاد الطين بلة حالة الضمور التربوي التي تعيشه مؤسساتنا التعليمية التي تعد المصدر الأول لتعزيز مثل تلك القيم بعد أن تحولت إلى معامل ومعارف جامدة، وزاد من ذلك الضعف والتشتت ما تقوم به أجهزة الإعلام الرسمية وغير الرسمية التي أصبحت في متناول الجميع بما تحمله من ثقافات متعددة وسلوكات متباينة في قبولها بين مجتمع وآخر تبعاً لطبيعة المجتمعات العالمية.. والله من وراء القصد.