كان تعليم البنات في المدينة المنورة يقتصر على الكتاتيب، وكن يتعلّمن فيها قراءة القرآن وحفظه، أمّا الكتابة فلا يتعلّمنها إلّا بإحضارهن موافقة خطية من أولياء أمورهنّ؛ باستثناء كُتّاب الأستاذة شرف علمي رحمها الله، فكانت تُعلِّم طالباتها الكتابة والحساب بدون طلب موافقة من أوليائهنّ، ومن هذه الكتاتيب: كُتّاب الشيخة خديجة النظيفة، في حوش التاجوري، وكُتّاب الشيخة زهرة سنارية، في زقاق البدور، وكُتّاب الشيخة سلمة بنت مبارك، في حوش الراعي، وكُتّاب الشيخة عائشة بنانية، في حوش التكارنة بالساحة. وكُتّاب عابدة، في باب المجيدي بجوار بيت الشاعر، وكُتّاب الشيخة فاطمة هانم بنت يوسف، في الساحة، وكُتّاب الشيخة فاطمة بنت الشيخ خليل التكروني، في حارة الأغوات، وكُتّاب الشيخة فاطمة بنت أحمد التكروني وكان في رباط عزت باشا بباب المجيدى، وكُتّاب الشيخة فخرية هانم، في الشونة، وهو الكتّاب الذي تعلّمت فيه أمي رحمها الله. وكُتّاب الشيخة معمرة التركية، في باب بصري، وكُتّاب شيخة زوجة الشيخ الشامي، في زقاق العاصي بالقشاشي. وكُتّاب الخوجة أم نعيم، وكُتّاب الأستاذة زينب مغربل، ثم طورته إلى مدرسة، وعندما فتحت الرئاسة العامة لتعليم البنات المدرسة الابتدائية الأولى للبنات عام 1381هـ، قررت الرئاسة العامة لتعليم البنات أن تكون مديرة المدرسة تحمل شهادة دراسية، فعُيِّنت مراقبة بالمدرسة الابتدائية الأولى للبنات بالمدينة، وكتُاّب الأستاذة شرف أحمد علمي وهو مخصص للبنات، وكان في الساحة، وعندما قدمت إلى المدينة الأستاذة خيرية الزهاوي من العراق، طوّرت الكُتّاب وحوّلته إلى مدرسة تُدرّس فيها مناهج وزارة المعارف، وأسمتها مدرسة المقاصد الإسلامية، وكانت في باب الشّامي، وعندما صدر قرار الرئاسة بأن تحمل مديرة المدرسة مؤهلًا علميًا سافرت الأستاذة شرف رحمها الله إلى الرياض برفقة الأستاذة خيرية الزهاوي لمقابلة الملك فيصل رحمه الله، وأفصحت له عن دورها في تعليم البنات في المدينة، فأصدر قرارًا بأن تظل الأستاذة شرف علمي مديرة لمدرستها، وكانت مدرستها بالمشرفية بقباء، ثمّ نقلت مدرستها إلى فيلا الشيخ عبدالمجيد خاشقجي، وأصبح مسمى مدرستها المدرسة الابتدائية السادسة بقباء، وظلت مديرة لها حوالى 8 سنوات إلى أن أُحيلت للتقاعد، وقد صدر لها ديون شعر (صدى نفسي)، وكان يُصحِّحه لها الشاعر هاشم خليل.
وكان الأهالي الذين يبعثون ببناتهم إلى الكتاتيب لتعلم القرآن الكريم يقيمون لهن حفلات تشجيعًا لهنّ، فإذا ما حفظت الفاتحة والمعوذتيْن والإخلاص، يُقام لها حفل يُسمى «الصَّرْفَة»، وإذا وصلت إلى سورة «الضُّحى»، أو أتمَّت سورة «عمَّ»، أو «تبارك»، أو سورة «ياسين»، تُقام لها «الصُّرَافَة»، وإذا ما أتمَّت قراءة كامل المصحف يُقام لها ختم القرآن الكريم.
وكانت مراسيم الحفل واحدة، سواءً في الصرفة، أو الصرافة أو الختم، ويكون الحفل على طعام الإفطار، أو الغداء، ويُقام الحفل في بيت الطالبة، ويأتي زميلاتها مع معلمة القرآن «الخُوجة»، وترتدي الطالبة المُحتفى بها ثوبًا أبيضًا في حفل ختمها للقرآن الكريم، وعند إقبال زميلاتها إلى مكان الحفل ينشدن: (سلام سلام سلام سلام.. سلام عليكم فردوا السلام).. ثُمَّ يُنشدن ترحيبًا بعهد آل سعود الذي شعر فيه الجميع بالأمن والاستقرار: (إنَّ عهد الظلم ولى.. وأتى عصر السعود.. فأمنَّا وسعدنا.. وله الفضل يعود.. رب أيده وظفر جيشه.. الشم الأسود). ويُنشدن للوطن فيقلن: (ما مثل طيبة في الوطن.. ما مثل طيبة من سكن.. هي الحمى والسكن.. وهي الفريدة في الزمن).
وتقوم مساجلات شعرية بين الطالبات، ثُمَّ تقرأ الطالبة المحتفى بها بعضًا ممّا حفظته من القرآن، ثُمَّ تقرأ دعاءً لوالديْها وخوجتها لا يتسع المجال لذكره.
وفي حوالى عام 1380هـ رأي بعض الشباب الجامعيين من أبناء المدينة ضرورة فتح مدرسة خاصة لتعليم البنات، ففتحوا مدرسة ابتدائية للبنات في الساحة، وعينوا عليها الأستاذة عبيدة الأيوبي مديرة لها، واستقدموا معلمات من مصر، وكان في هذه الفترة عادت إلى المدينة الآنستان زينب وزبيدة سالم أبوعوف بعدما أتممن دراستهن الثانوية في الأردن، وفتحتا مدرسة ابتدائية للبنات، كما فتحت الأستاذة سعاد (مصرية) مدرسة ثالثة للبنات، فأصبح بذلك (5) مدراس ابتدائية خاصة للبنات بالمدينة مع مدرستي الأستاذة شرف علمي، التي كانت تُدرس فيها الأستاذة خيرية الزّهاوي من العراق، ومدرسات أخريات، وكذلك مدرسة الأستاذة زينب مغربل، وكل هذه المدارس اندمجت في المدرسة الابتدائية الأولى للبنات التي افتتحتها الرئاسة العامة للبنات، وعُيّنت الأستاذة عبيدة مديرة للمدرسة، والأستاذات زينب وزبيدة أبوعوف وسعاد (مصرية) مدرسات بالمدرسة، والأستاذة زينب مغربل مراقبة.
أما الآن فقد أصبح في المدينة مئات المدارس الحكومية للبنين والبنات من ابتدائية ومتوسطة وثانوية، كما توجد بها ثلاث جامعات، هي: الجامعة الإسلامية (حكومية)، تأسست عام 1380هـ بمرسوم ملكي من الملك سعود، رحمه الله، وتستقبل هذه الجامعة طلبة العلم من المسلمين من جميع أنحاء العالم.. جامعة طيبة (حكومية) للبنين والبنات.. جامعة الأمير مقرن (جامعة أهلية خاصة) للبنين والبنات.. مع العديد من الكليات والمعاهد للبنين والبنات بالشراكة مع بعض الجامعات الغربية.