Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. عادل خميس الزهراني

«زهران.. الذي هوى»

A A
بعد إحدى المناقشات العلمية التي جمعتنا، أهداني الصديق والناقد المميز أحمد صبرة رواية بعنوان مثير.. قال لي؛ لأنك زهراني، يسعدني أن أهديك روايتي هذه التي يجمعك ببطلها اسمه كما ترى. قالها مازحاً، وافترقنا. وبعد أيام وجدت نفسي وقد انتهيت من الرواية مغتبطاً، وممتناً لصديقي على الإهداء الكريم، وعلى المتعة السردية التي رافقتني في أول أسابيع رمضان. عنوان الرواية (زهران الذي هوى)، وقد صدرت في العام 2021.

قصة زهران، شخصية الرواية الرئيسة، تستحق أن تحكى. ونهايته تبعث على الأسى. حلمٌ عربي مؤجل للأبد. زهران هو شباب الأمة من عصر النهضة حتى اليوم. تذكر الرواية في آخر صفحاته أن: «قصة زهران حقيقية، روتها الكتب التي أرخت للحملة المصرية علي الحبشة في بضع سطور. لم تذكر الكتب اسم هذا الضابط الشجاع الذي صفعه عثمان بك أمام الجنود دون مبرر قوي، فقدم شكوى إلى السردار راتب باشا، الذي لم يلق لها بالاً. قرر هذا الضابط أن يخلع ملابس الضباط، ويرتدي ملابس الجنود. ثم قاتل بشجاعة شهد بها كل من رآه، لكنهم عقدوا له محاكمه عسكرية بعد انتهاء الحملة بتهمة عصيان الأوامر، والظهور بمظهر غير لائق. ثم حكموا عليه بالموت، ونفذوه سريعاً». قلتُ لكم إنها قصة تستحق أن يعاد إحياؤها، وأنها تبعث على الأسى.

أعجبتني الرواية، بوصفها عملاً فنياً؛ أعجبني النفس الهادئ في السرد. (حكاية مطبوخة على نار هادئة). كما أن الحاضنة الزمكانية جاذبة ولها ألقها الخاص. أعني مصر في منتصف القرن التاسع عشر. بدت لي في الأجزاء الأولى رواية مصرية بامتياز. ثم تطورت بعد ذلك لتخرج من هذا السياق. الراوي (العليم/الحكيم)، في رأيي، مصدر من مصادر القوة في العمل. (لغة جميلة، وإحالات لافتة، ورزانة.. راوٍ ذكي ورزين). وتبئير الحكي كان ذكياً أيضاً؛ كانت رؤيته خارجية غالباً، لكن البؤرة الخلفية (راوٍ من الخلف)، لم تؤثر سلباً على تحفيزي أنا قارئ الرواية. ولعبت الاستباقات والاسترجاعات دوراً إيجابياً كذلك في ربطي بالحكاية، والحفاظ على مستوى الإثارة عندي.

كان التواتر هو الشكل السردي المعتمد، وكانت المفارقة الزمنية عن طريق القفز المستمر بين المستقبل والماضي جيدة في المجمل. (لكن.. هل كان لها داعٍ؟ أعتقد أنها أضفت نوعاً من التشويق).

من يقرأ الرواية يجد أن لديه حكاية تسير ضمن ثلاثة خطوط: 1) حكاية زهران، وهي عصب الرواية الرئيس. وهي حكاية مهمة ومؤثرة، وهناك حكاية الحاج صالح مع النصاب نواه: وقد ظهرت لي وصفية بحتة (أي أن وظيفتها إدماجية لا توزيعية)، تؤدي دور وصف الحالة الاجتماعية والسياسية للمكان، أكثر من كونها تدفع عجلة السرد نحو الأمام. ورغم، أعتقد أنها أخذت أكثر من حجمها، على حساب حكاية زهران، وحكاية صفية (الأهم والأجمل في رأيي). 3) ثم هناك حكاية صفية، وهي حكاية رائعة، وخطيرة، وحساسة جداً. كونها متمردة، ومتطلعة، وجريئة، توفر وجبة سردية مذهلة. أعترف أن توظيفها في الرواية كان ذكياً، علاقتها بصديقتها أنيسة، وقلق الهوية الذي عاشته كان حافزاً مهماً أضاف للرواية جاذبية خاصة. بالنسبة لي، تمنيت لو استثمرت الرواية هذا البعد وعملت على تعقيده أكثر، وربطه -أكثر- بحكاية زهران (زوجها المتطلع القلق أيضاً)، وخلق مآزق سردية متعددة، والتخفيف من حكاية الحاج صالح، بجعلها حكاية خفيفة في الخلفية. رواية جميلة في المجمل، (زهران.. الذي هوى)، قصة شاب، ضل في التاريخ، وغوى!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store