تعددت الصناديق الاستثمارية الخاصة، وصناديق التمويل التنموية الحكومية، وتعددت مؤسسات المجتمع المدني، وتعددت الجمعيات الخيرية بأنواعها العامة والخاصة في المملكة، وهو توجُّه تشكر عليه الدولة لخدمة المجتمع السعودي وتنمية الاقتصاد، وكنت أتطلع منذ زمن طويل لإنشاء صندوق وطني لبرامج المسؤولية الاجتماعية، تسهم فيه جميع الشركات المساهمة، البنكية والصناعية والخدمية والتجارية، وتسهم فيه جميع الشركات العائلية والمؤسسات الفردية بنسبة محددة من الأرباح سنوياً، وهذا قد يحتاج إلى تشريع جديد يُضاف إلى نظام الشركات، ينص على تخصيص جزء من الأرباح بحد أدنى 1% من جميع الشركات الحكومية والخاصة، على أن ينشأ الصندوق الوطني للمسؤولية الاجتماعية ويوزع نشاطه على جميع مدن وقرى المملكة.
ويهدف هذا المشروع إلى خدمة المجتمع بمشاريع تعود بالنفع على هذه المجتمعات، على أن يكون لصندوق المسؤولية الاجتماعية فروع في جميع مناطق المملكة.
إن مشاريع المسؤولية الاجتماعية في المملكة حالياً هي مشاريع اجتهادية من بعض القياديين في شركات القطاع الخاص، تعود لقناعاتهم أحياناً، ولضغوط شخصية عليهم أحياناً أخرى، وفي المؤسسات الخاصة والعائلية تعود للعلاقات الشخصية، ولا يوجد نظام ملزم للمساهمة في برامج المسؤولية المجتمعية، رغم أنني أرى أنها ضرورية وأساسية لخدمة المجتمعات التي تعمل بها هذه الشركات، وتحقق أرباحها منها، ولكنه بغياب الأنظمة والقوانين واللوائح المنظمة والمحفزة، مثل تخفيض نسب الضرائب على المساهمين في صندوق المسؤولية الاجتماعية، يصبح الأمر اختيارياً ومزاجياً.
إن ترك موضوع دعم برامج المسؤولية الاجتماعية بدون تنظيم، يترك الموضوع لأهواء صناع القرار في الشركات، حيث إن برامج المسؤولية الاجتماعية يجب أن تُوجَّه نحو التنمية المستدامة، والاقتصاد الأخضر، وخلق فرص عمل، وفي مجالات الرعاية الصحية والتعليم وغيرها من الأهداف؛ التي تهتم بتحقيق أهداف اقتصادية وتنمية شاملة ومستدامة، وهذا مختلف عن الأعمال الخيرية التي تعتمد على ما يقدم بدون استدامة، ولا يلمس نتائجها على المجتمع، الذي هو الهدف الأهم من برامج المسؤولية الاجتماعية والاستدامة.
إن المسؤولية الاجتماعية هي هدف استراتيجي من ضمن أهداف برنامج التحول الوطني، «تعزيز التنمية المجتمعية وتطوير القطاع غير الربحي» في رؤية المملكة 2030، والذي يسعى إلى تحسين فعالية الخدمات الاجتماعية، وتشجيع الشركات على تبني البرامج الاجتماعية بجميع مجالاتها.
إن إنشاء صندوق وطني لبرامج المسؤولية الاجتماعية للشركات والمؤسسات؛ سيشجع على أعمال المسؤولية الاجتماعية بطريقة محوكمة ومنظمة، تعمل على تعزيز تكامل الجهود والشفافية في الإنفاق، وتعزز تعاون الشركات والقطاعات المختلفة في المجتمع، مما سيتيح للمشاريع المشتركة أن تكون أكثر فعالية، وتحقيق نتائج أكبر وأثر أوسع في المجتمع.
إن تجربة الصندوق الوطني للمسؤولية الاجتماعية في الإمارات، وتجربة دولة الكويت في إنشاء صندوق البحث العلمي بتمويل من أرباح الشركات، هي تجارب ناجحة، ويمكن تطويرها من خلال الاستعانة بالمنصة الوطنية للمسؤولية الاجتماعية، لتكون نواة مشروع إنشاء الصندوق الوطني السعودي للمسؤولية الاجتماعية.