«طوفان الأقصى»، يوم السابع من هذا الشهر، كان جريئاً عنيفاً وغير متوقع بشكل أدى لتغيير حسابات الكثيرين. وغيّر في معادلات المنطقة. ودفع عواصم إقليمية ودولية لمراجعة حساباتها، والإعداد لنتائج ما بعد «طوفان الأقصى». سارعت واشنطن، وبشكل عاجل، لإرسال قواتها البحرية والجوية، وبعض من البرية، إلى شواطئ إسرائيل، وأتت خلفها قوافل عسكرية غربية أخرى. وسارعت الحكومة اليمينية المتطرفة الإسرائيلية إلى قصف غزة بوحشية فائقة، ولا زالت غير عابئة بالسلطة الفلسطينية. وأنعمت عليها الدول الغربية بتأييد قوي. ومن المتوقع أن تزحف القوات الإسرائيلية، في مذبحة متوقعة، إلى أعماق غزة، ستسيل دماء الفلسطينيين والإسرائيليين فيها، على حد سواء، (هذا إذا لم يكن الغزو الإسرائيلي قد بدأ حتى اليوم - عسى أن تتراجع إسرائيل عنه).
إسرائيل تريد أن تحدد مجرى الأمور ما بعد حربها مع حماس، وهناك قوى عربية وإقليمية تسعى لاستغلال ما قامت به حماس لكي تحقق مصالح خاصة بها. وسيكون الفلسطيني هو الخاسر في كل الأحوال. ولن يكسب الإسرائيليون أمناً وسلاماً كما تسعى النخب السياسية والعسكرية لديهم. كما أن الدول العربية ستُصاب بأضرار نتيجة لأي حلول تتم لا تكون هي طرفاً فيها. فالأمن القومي العربي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالقضية الفلسطينية، حتى وإن أعتقد البعض عن جهل أو عدم وعي عكس ذلك.
على العرب أن يأخذوا زمام المبادرة الآن، ويتقدموا بحلول للمأساة الفلسطينية. وقد ذكّرتنا السيدة نايلة تويني، في مقال لها يوم التاسع من هذا الشهر، في جريدة النهار اللبنانية، بمبادرة السلام، التي أطلقتها القمة العربية في بيروت عام 2002، والتي قدمها المغفور له الملك عبدالله بن عبدالعزيز (كان حينها ولياً للعهد). إذ وافقت عليها كافة الدول العربية. وأذكر حينها أن الرئيس ياسر عرفات، الزعيم الفلسطيني الكبير، كان متوقعاً أن يخاطب القادة العرب المجتمعين عن بعد، من رام الله، حيث كان محاصراً، إلا أن الرئيس اللبناني لحود، حينها، رفض منح الشاشة لخطاب عرفات، بحجة أن شارون، رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت، قد يدخل على الخط ويسرق الشاشة، ويلقي خطاباً أمام القادة العرب، وهي حجة سخيفة، إلا أن علاقته بالرئيس السوري، الذي كان مختلفاً مع ياسر عرفات، كانت قوية جداً، واستجاب حينها لضغوط سوريا بمنع عرفات من مخاطبة القمة.
وكان من بنود تلك المبادرة، الانسحاب الإسرائيلي من كافة الأراضي المحتلة، وحل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وقيام دولة فلسطينية ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 في الضفة الغربية وغزة، وتكون عاصمتها القدس الشرقية. مقابل الدخول في سلام يُمكِّن الدول العربية وإسرائيل من العيش في سلام جنباً إلى جنب.
إسرائيل لم تقبل بالمبادرة العربية، وأصرت على المضي في غيها. وسعت النخب الإسرائيلية إلى اتفاقات تطبيع ثنائية بينها والدول العربية، بدون الالتفات إلى الفلسطينيين الذين واصلوا معركتهم مع جنود الاحتلال الإسرائيلي، والتي أدت إلى قتلى وجرحى بين الطرفين. ورغماً عن أن الأضرار التي أصابت الفلسطينيين كانت كبيرة، إلا أنهم لم يستسلموا وواصلوا كفاحهم، بصرف النظر عما يقوله الآخرون، كما حدث في «طوفان الأقصى».
على إسرائيل أن تقبل الآن، وقبل المزيد من الضحايا بين مواطنيها والفلسطينيين، أي حل يتيح لها السلام والتطبيع الذي تسعى إليه، إذ إن ذلك لن يكون على حساب الفلسطينيين، بل مع الفلسطينيين. وتشكل المبادرة السعودية العربية عام 2002م أساساً للدخول في مفاوضات حل مع العرب جميعاً، بمن فيهم النخب الفلسطينية.