تعقّدت القضية الفلسطينية، مثل الأحجية (Puzzle) التي يبلغ عدد قطعها الآلاف، ولم يتمكّن أحد من تركيبها (صح) بجانب بعضها البعض كي تُكوِّنَ لوحةً بمعنى ومغزى!.
قبل أكثر من ٧٥ سنة، ولقرونٍ قد فاتت قبلها، ممّا تخلّلتها حروب صليبية متتابعة، كانت هناك دولة فلسطينية آمنة، تعيش فيها أكثرية مسلمة وقلّة مسيحية وقلّة أقلّ يهودية في سلام، بجوار المسجد الأقصى الذي صلّى فيه الأنبياء بإمامة خاتمهم محمّد صلّى الله عليه وسلّم، فجاءت بريطانيا عندما كانت عُظمى، وأوفت بوعدها لليهود، ومنحتهم بلداً لَمَّ شتاتهم، معصيةً لله الذي كتب الشتات عليهم منذ عصر موسى عليه السلام، ووُلِدت إسرائيل من أرحام الحروب وبمساعدة الغرب، وهكذا منح من ليس له حق بلداً لمن ليس له حق على حساب من له حق، فتناثرت قطع الأحجية في لوحتها غير منسجمة مع العدل والإنسانية!.
وتشتّت الفلسطينيون داخل وطنهم وخارجه، وعانوا كثيراً وما زالوا، وحلّت أمريكا العُظمى محلّ بريطانيا غير العُظمى، وهي تقود الغرب حالياً بمعايير مزدوجة وكيل بمكيالين لترسيخ إسرائيل واقعاً ليس له زوال، يشاء من يشاء ويأبى من يأبى، وألقت قنابل على لوحة الأحجية ما زاد قطعها تنافراً وتناثرا!.
وما زاد قطع أحجية القضية خبالاً وتتبيباً يستحيل معه تركيبها في لوحتها بشكل صحيح هو فساد بعض القادة الفلسطينيين والمتاجرة بها، وليسوا هم وحدهم إذ هناك دول عربية تعاملت معها بقومية خرقاء، وهناك دول إقليمية رسمت لفلسطين خارطة تحرير، فإذا بنا نكتشف أنّ طرق الخارطة قد مرّت بكلّ أرض إلّا أرض فلسطين المحتلّة، وحين البأس مسحت الخارطة، وربّما بحثت عن خارطة أخرى ليس فيها تحرير لفلسطين إلّا بسواليف الليل التي يمحوها النهار!.
وقطع الأحجية ما زالت كما هي منذ ٧٥ سنة، وساءت لوحتها التي تُركّب عليها حتّى لم تعد قابلة على حمل القطع وتركيبها، بما يُفعل من فظائع لأهل غزّة والضفّة، ولا أظنّ هولاكو وهتلر وستالين قد فعلوا مثله للأراضي التي احتلّوها!.
يا الله.. رَكِّبَ الأحجية وعَجّلْهُ بما يُرْضيك ويسرّنا.