- يُفسّرُ الحكيم «شوبنهاور» لجوءَ كثيرٍ من صغارِ العقول والفارغين، إلى الإفراطِ في الاختلاطِ بالناس والاحتكاكِ بهم والاجتماعِ معهم، بأنّهم فاشلون، يتحرّجون من مواجهةِ ذواتِهم خلال عُزلتهم، ولا يشعرونَ بقيمتهم عند اختلائِهم بأنفسِهم، فتقديرُهم لذواتِهم يأتي من خلالِ الآخرين فحسْب.
- إنّ من أكبرِ الشُّرور التي يواجهها إنسانُ العصر الحديث، ضياعُ كينونته، وفقدانُه حرّيته الفكرية الشخصية، وضعفُ اعتزازه بنفسه، وانحلالُ قدراته المتميّزة، وسط مجموعات بشريةٍ كبيرة تعمل بصورةٍ لا إرادية، تُضيّع عليه فرصتيْ التميّز والإبداع.
- ومن مظاهر التفسّخ القِيَمي، حيازةُ المال الوفير، التي تُعتَبر مؤشراً على مدى الفضيلة الاجتماعيةِ التي يتمتّع بها الفرد، فالمالُ نفسُه اكتسب قيمةً أخلاقية، وأصبحَ علامةً على استحقاقِ أحدهم مَكانةً اجتماعية، بغضّ النظر عن اعتباراتٍ فكريةٍ وأخلاقية. ولذلك يُعد الصّراع على المادّة، محاولةً لإثبات الذات، في مُجتمعاتٍ أسهمت في إصابةِ الفردِ بحُمّى حبّ الظهورِ والامتلاك، فليس المُهم ما تكون، بل المُهم ما تبدو!.
- إنّ مِن أسوأ ما يواجه الفردَ في المُجتمعات العصريةِ التقنيةِ الحديثة، تفاقمُ شعوره بالّلاجدوى، فإضافةً إلى غياب إحساسِه بمعنى وهدفٍ لحياتِه القصيرة، وتغوّل شعوره بالعبَثية، يعيشُ حياةً هامشيّة تُجرّدُه من أيّ قيمةٍ فردية.. حياة «الّلاجدوى». يقول الدكتور «مصطفى محمود»: (قيمةُ الإنسان، هي ما يُضيفه إلى الحياةِ بين ميلادهِ وموتِه)، وبهذا المبدأ، يعيش كثيرون ويموتونَ دون قيمةٍ تُذكَر.
- الحياةُ من غير هدفٍ، فارغة، وهي بلا غايةٍ تُعدّ غير مُستساغة، لكنّها حتى بعد بلوغِ الإنسان أهدافَه فيها، تصبح تلك الأهدافُ أقلّ قيمةً في نظره، ثمّ لا تلبث أن تكون مُجرّد أوهام، فمُعظم الغاياتِ غير مُشبِعةٍ للنفس، وحتى الرّغبات وإن أُشبِعت، تُسلِمُنا مباشرةً لبراثنِ المَلل.
- يرى مؤلّف كتاب «الإنسان.. والبحثُ عن المعنى» الكاتب «فيكتور إميل فرانكل»، أنّ الانتشارَ الواسعَ لكتابه، وكونه من الأكثر مَبيعاً، ليس إلا تعبيراً عن بؤسِ عصرِنا، فشراءُ كتابٍ يتناولُ معنى الحياة، يعني أنّ ذلك أمرٌ مؤرّقٌ للناسِ حقّا، وليس دليلاً على إنجازٍ عظيم، لذلك تجده يقول (بتصرّف): (إنّ الحبّ هو الهدفُ النهائيّ الأسمى للإنسان.. إنّ خلاصَ الإنسانِ يكون بالحُبّ، ويُمكنه من خلال الحبّ، أن يُحقّق شعوره بالرّضا).