في لفتة إنسانيَّة غير مُستغربة، وجَّه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، رئيس مجلس الوزراء، بإطلاق حملة شعبيَّة عبر منصَّة «ساهم»، التابعة لمركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانيَّة، وذلك لإغاثة الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة. وتأتي هذه الحملة لدور المملكة التاريخي في دعم القضيَّة الفلسطينيَّة، وأنَّها من أولوياتها.
ولكنْ دعونا نلقِ مزيدًا من الضوء على القضيَّة الفلسطينيَّة وجذورها وتداعياتها في المنطقة، حيث يعتقد البعض أنَّ ما قامت به حماس في (طوفان الأقصى) هو السبب الرئيس فيما يُعانيه الشعب الفلسطيني الآن؛ من قتل، وتدمير البيوت والمباني فوق رؤوس أصحابها، وقصف المستشفيات والمدارس والمخابز.. ولكنْ حتَّى وإنْ كانت إسرائيل قد اتَّخذتها ذريعةً، فهي ليست القضيَّة الحقيقيَّة؛ فحماس حركة مقاومة فلسطينيَّة، هدفها الظاهر، الدفاع عن وطن مغتصب منذ 70 عامًا، تحت وطأة الغطرسة الإسرائيليَّة وإجحاف لكافَّة حقوق أصحاب الأرض، بينما مغتصبو الأرض من الصهاينة يعيثون فسادًا، ويعطون لأنفسهم حق إخراج السكان بقوَّة البلدوزرات، وبناء المستوطنات فوقها. في حين أنَّ دخولهم إلى فلسطين كان بوثائق يثبتها التاريخ، حيث إنَّ شمعون بيريز نفسه قد دخل لزيارة فلسطين عام 1935م من خلال طلب فيزا، وجاء إليها لاجئًا، وكانت مجلة (الفايننشال جيوغرافيك) أصدرت خريطة عام ١٩٤٧م لا ذكر فيها لدولة الاحتلال مطلقًا.. ولكن الاستعمار الغربي الظالم -الذي امتصَّ دماء وخيرات الشعوب- دعم الاحتلال ليستولي على الأرض، وما (صفقة القرن) التي ابتدعها ترامب، ورفضتها كل الدول العربيَّة، إلَّا جزءٌ من الخطَّة لتصفية القضيَّة الفلسطينيَّة، ومحاولة التهجير القسري لفلسطينيي قطاع غزة إلى سيناء، وتهجير فلسطينيي الضفة الغربيَّة إلى الأردن، وهناك خارطة نُشرت في يونيو ٢٠١٩م، أعلنت سيطرة إسرائيل على أكثر من ٣٠٪ من الضفة الغربيَّة، وأنْ تبقى القدسُ موحَّدةً تحت السيادة الإسرائيليَّة الكاملة! كل ذلك مع عدم القبول بحلِّ الدولتين الذي تمَّ اقتراحه في أوسلو!.
وهكذا نرى أنَّ من حق الفلسطينيين -سواء مواطنين عاديين، أو ينتمون لإحدى حركات المقاومة، أو السلطة الرسمية في البلاد- مقاومة الاحتلال الغاصب على أرض وطنهم، والذي يعيث فساداً بالشرائع الدينية والأخلاقية. فالقانون الدولي يُعطي صاحب الأرض حق الدفاع عن نفسه، ولكنْ في ظل ازدواجيَّة المعايير لدى الغرب الظالم، أُعطيت إسرائيل حق الدفاع عن نفسها، مع أنَّها لم تُعْطَ حق قتل المدنيين، وذبح الأطفال والنساء؛ ممَّا يُعتبر انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي.
وحقيقةً، كان لعملية (طوفان الأقصى) أبعادٌ أخرى في تحقيق نصرٍ للقضيَّة الفلسطينيَّة من خلال ما يلي:
- وقف عملية تقسيم المسجد الأقصى، وهو المخطط اليهودي الذي يُعطي الحق لإسرائيل في اقتطاع جزءٍ من المسجد، وبناء كنائس يهودية فيه، وكذلك بسط السيطرة على الساحات الخارجيَّة له، فضلًا عن التَّخصيص الزماني للمسلمين بدخول المسجد، ومنعهم في أوقات أخرى من أيام الأعياد اليهوديَّة، والتي تبلغ أكثر من ١٥٠ يومًا في السنة.
- سيكون لعملية طوفان الأقصى دورٌ مستقبليٌّ في مقايضة كبرى لإطلاق سراح المسجونين الفلسطينيين، الذين يعانون عمليات التعذيب غير الإنسانيَّة، والذين لا ذنب لهم سوى الدفاع عن أرضهم التي اُغتصبت بظلم الصهاينة، ودعم القوى الاستعماريَّة.
- أثبتت العمليَّة همجيَّة وتوحُّش الغرب، وسقوط مريع للإنسانيَّة في حضارة القرن الحادي والعشرين. وأنَّ الصهيونيَّة العالميَّة أكَّدت ما عُرِف عنها في التاريخ، من كذبٍ وافتراءٍ ونقض للمواثيق كما قال تعالى: (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ...)، فإذا كانوا يقتلون الأنبياء، فكيف بهم مع البشر العاديين؟!
- أظهرت العمليَّة أنَّ ما تقوم به إسرائيل، حرب إبادة جماعيَّة، وهي هولوكوست جديدة لم يعرفها التاريخ من قبل، وكُشِفَ القناع عن عمليَّة تطهير عرقي.
- هناك تنوير للرأي العام العالمي ووعي الشعوب -حتَّى الدول المتضامنة مع إسرائيل، وعقلاء اليهود- عن حقيقة إسرائيل الوحشيَّة، كما رأينا إجماعًا عالميًّا وصل إلى ٧٦٪ بضرورة الوقف الفوري للحرب ضد المدنيين.
وبالرغم من الاجتماعات المكثَّفة في مجلس الأمن، إلَّا أنَّه لم يسفر عن أيِّ نتائج لوقف إسرائيل عن انتهاكاتها لحقوق الإنسان والقوانين الدوليَّة؛ لأنَّه «مَن أَمِنَ العقوبةَ أساءَ الأدبَ». فما فائدة ذلك المجلس إذا لم يكن هناك تفعيل للقرارات الأمميَّة؟!.
وإلى متى يستمر الظلم لأهالي غزَّة، بالرغم من نداءات جميع التكتلات العادلة كمجلس التعاون الخليجي، وجامعة الدول العربيَّة، ومنظَّمة التعاون الإسلامي، ووزراء الخارجيَّة العرب في الأمم المتحدة، واستنكارهم لفشل (مجلس الأمن) عن القيام بدوره في سبيل إيقاف جرائم الحرب؟! وإلى متى يبقى حق النقض «الفيتو»، والذي تتَّخذه أمريكا وبريطانيا وسيلة لإيقاف أي مشروع إنساني ديمقراطي يدعم القضيَّة الفلسطينيَّة؟!، وهل يمكن أن يُجمع العالم بإدخال كل المساعدات الإنسانيَّة والوقود مع المنظَّمات الإنسانيَّة وقوات حفظ السلام الدوليَّة رغمًا عن إسرائيل؟! هذا ما نتمنَّاه وندعو له، مع وقف فوري لإطلاق النار على المواطنين العُزَّل في قطاع غزَّة.