بدعوةٍ كريمةٍ من رئيس المجلس التَّنسيقيِّ لمنشآت خدمة حجَّاج الدَّاخل، سعادة د. مساعد سعيد الجهني؛ تشرَّفتُ بزيارة مقر المجلس في مكَّة المكرَّمة. وقد كان الهدف من الدَّعوة إطلاعي على أعمال المجلس بعد مقالي في هذه الصحيفة الغرَّاء بعنوان: (باقات حجَّاج الدَّاخل والأسعار).
حيث تناولتُ فيه المتابعة الدقيقة للمجلس للمنشآت التابعة للشؤون الخدميَّة: من تفويج، ونقل، وإعاشة، وإقامة في المشاعر المقدَّسة... وغيرها. كما تناولتُ غلاء أسعار الباقات، وهي أربع باقات، أقلُّها بحوالى أربعة آلاف ريال، وأنَّ هذه الأسعار عالية بالنسبة للمواطن العادي والمقيم، وأيضًا سكَّان مكَّة المكرَّمة، ممَّن يذهبُون للحجِّ كعوائل، والعائلة الواحدة قد تُكلِّف أكثر من خمسين ألف ريال، وهذا بدوره قد فتح مجالًا للحجِّ غير النِّظاميِّ، مع ضرورة التقليل من خدمات VIP؛ لأنَّها تتوسَّع في المساحات على حساب باقات الحجِّ الأُخْرَى.
وقد وجدتُهَا فرصةً سانحةً للتعرَّف على هذا الكيان الذي يتشابه في معظم مكوِّناته مع أنظمة حجَّاج الخارج، من حيث الخدمات التشغيليَّة، ولكنَّه يختلف ربما في بعض الإجراءات العمليَّة.
وكان في استقبالي رئيس المجلس، بالإضافة إلى المدير التنفيذي الأستاذ عمر السيف وبعض المستشارين. وبقدر ما كان اللقاءُ بسيطًا ومحدودًا، لكنَّه كان حافلًا بالمنجزات من خلال العروض التقدميَّة والأرقام، وهي لغة لا تُخطئ، وتُعطي مؤشِّرات دقيقة عن طبيعة العمل ومصداقيَّته.
وقد قُدِّمت أعمال حجِّ 1444هـ في عروض لافتة لجميع الخطط والبرامج والمبادرات، ومنها:
وضع الخطَّة الإستراتيجيَّة والرؤية وهي: «كيان متميِّز بخبرات احترافيَّة، لتطوير خدمة حجَّاج الدَّاخل بالمعايير العلميَّة، والموارد الماليَّة المُستدامة».. وكانت الرسالة: «قيادة جهود موحَّدة لصناعة الضيافة، والارتقاء بخدمة ضيوف الرَّحمن». أمَّا عن الأهداف الإستراتيجيَّة فأهمُّها:
1- المساهمة الفعَّالة في تحقيق رؤية المملكة 2030م، عبر برنامج خدمة ضيوف الرَّحمن، وأهداف وزارة الحجِّ والعُمرة.
2- التَّنسيق الفعَّال بين منشآت خدمة حجَّاج الدَّاخل وكافَّة الجهات ذات العلاقة، لضمان تضافر وتكامل الجهود.
3- تطوير منظومة عمل المنشآت، من خلال المبادرات النوعيَّة والأبحاث والدِّراسات، وتطوير الحلول والمقترحات.
وهم يعملون على تحقيق الأهدافـ بمشاركة منشآت حجَّاج الدَّاخل، وعددها 187 شركةَ حجٍّ، فإذا علمنَا أنَّ عدد حجَّاج الدَّاخل لعام 1444هـ كان (184,130 ألفَ حاجٍّ) بمتوسط تقريبي (1000 حاجٍّ) أقل أو أكثر، لعلمنا مدى ضبط هذه الأعداد في كافَّة مراحل الرِّحلة.
لم يكتفِ المجلسُ بوضع خطَّته الإستراتيجيَّة، بل وضع اللائحة التنظيميَّة التي تتضمَّن توضيح إجراءات العمل لكلِّ عمليَّة. كما أنَّ الباقات التي وُضِعَت كانت بعد دراسات الجدوى الاقتصاديَّة، واحتساب القيمة المُضافة، ومراعاة أنْ تكون متناسبةً مع الخدمات المقدَّمة. ومع ذلك فإنَّ هناك توجُّهًا نحو إعادة دراسة الباقات لموسم حجِّ 1445هـ، بما يكفل تناسبها مع كافة المستويات الاقتصاديَّة للمواطنين والمقيمين، مع إثراء التَّجربة الدينيَّة والثقافيَّة لضيوف الرَّحمن.
وسعدتُ في نهاية اللقاء بتقديم رئيس المجلس للتقرير السنويِّ لأعمال المجلس لموسم حجِّ 1444هـ، وقد كان شاملًا لكلِّ ما يُثلج الصَّدر من خدمات، ولعلَّ أبرزها التَّركيز على (ملف الإبداع والابتكار)، من خلال ما قُدِّم من ورش عمل لتحسين تجربة ضيوف الرَّحمن، وتفعيل البرامج المبتكرة مثل: مخيَّم الحجِّ بعرفات، وإقامة ملتقى الإبداع والتميُّز، حيث شارك فيه (2515 مشاركًا) لنشر ثقافة الإبداع والابتكار. وقد شمل التقرير كافَّة الإجراءات في التَّفويج، وخدمات مشعري منى وعرفات، والنَّقل البريَّ والجويَّ والتردُّديَّ، والإعاشةَ، والسكنَ، والصِّحةَ، ومراكزَ ضيافة الأطفال، وكلُّ ذلك بإحصائيَّات دقيقة من حيث: عدد فرق العمل المطلوبة، والاجتماعات، وعدد المستفيدين، والفرضيَّات التي عُملت لكلِّ خدمة من الخدمات.
كما قدَّم التَّقرير المبادرات النوعيَّة التي كان لها أكبر الأثر في تجويد الخدمات مثل: برنامج واعي، ومساند، وحج بلا حقيبة، ومبادرات سُقيا وضيافة، وحج بلا تدخين، ومبادرة حفظ النِّعمة)، وتراوح عدد المستفيدين في كلِّ مبادرة ما بين (10.000- 27.000 مستفيدٍ).
بل كان التَّركيز على الجودة من خلال نشر ثقافة الجودة بالمنشآت، وتأهيل اختصاصي الجودة في كلِّ منشأة؛ تمهيدًا لتأهيل المنشآت (لنظام الجودة 9001: 2015)، وقد سبق أنْ حصلت 17 منشأةً على نظام الأيزو، ويجري العمل على استكمال كافَّة المنشآت.
ما نأمله، أنْ يكونَ التنسيقُ عالياً، ليس بين المجلس والمنشآت التابعة فحسب، بل مع كافة الأطراف ذات العلاقة في خدمة ضيوف الرحمن وأهمها: وزارة الحجِّ، وكدانة، وشركة الكهرباء، وشركة المياه الوطنية، حيث وصلت البلاغات عن الكهرباء إلى (360 بلاغاً) مما يعتبر رقماً عالياً، ووصلت البلاغات عن المياه إلى (167 بلاغاً).. ونتمنى أنْ تزيد الجهاتُ المختصة من جهودها، فالتَّنظيم لأعمال الحجِّ لابُدَّ أنْ يتمَّ مبكِّرًا لكافَّة المتطلَّبات، حتَّى نتفادى أيَّة مشكلات أثناء الموسم، ولتحقيق شعار المجلس التنسيقيِّ وهويَّته (كُلُّنَا مُتَّحِدٌ).