* (نظرتُ البارحة، فإذا الغرفةُ دافئة، والنَّار موقدة، وأنا على أريكة مريحة، أفكِّر في موضوع أكتبُ فيه، والمصباحُ إلى جانبي، والهاتفُ قريب منِّي، والأولاد يكتبُون، وأمُّهم تعالج صوفًا تُحيكه، وقد أكلنا وشربنا، والراديو يهمسُ بصوت خافت، وكلُّ شيء هادئ، وليس هناك ما أشكو منه، أو أطلب زيادة فيه.
*****
* فقلتُ: (الحمدُ لله)، أخرجتُها من قرارة قلبي، ثمَّ فكَّرتُ، فرأيتُ أنَّ «الحمد» ليس كلمة تُقال باللسان، ولو ردَّدتُها ألف مرَّة، ولكن «الحمد» على النعم، أنْ تفيضَ منها على المُحتاج إليها، فحمدُ الغني أنْ يُعطي الفقراء، وحمدُ القوي أنْ يساعد الضعفاء، وحمدُ الصحيح أنْ يعاون المرضى... إلخ.
*****
* فهل أكونُ حامدًا لله على هذه النعم، إذا كنتُ أنا وأولادي في شبع ودفء، وجاري وأولاده في جوعٍ وبردٍ؟ وإذا كان جاري لم يسألني، أفلَا يجبُ أنْ أسأل عنه؟ سألتني زوجتي: فِيمَ تُفكِّر؟ فأخبرتُها، قالت: ولكنْ لا يكفي العبادَ إلَّا مَن خلقهم، ولو أردتَ أنْ تكفي جيرانَك من الفقراء لأفقرتَ نفسكَ قبل أنْ تُغنيهم!.
*****
* قلتُ: لو كنتُ غنيًّا لما استطعت أنْ أغنيهم، فكيف وأنا رجلٌ مستورٌ؟ المسائلُ نسبيَّة، فأنا بالنسبة إلى أرباب الآلاف المؤلَّفة فقيرٌ، ولكنِّي بالنسبة إلى العامل، أو العاطل الذي يعيل عشرة، غنيٌّ من الأغنياء، وهذا العامل غنيٌّ بالنسبة إلى الأرملة المفردة التي لا مال في يدها، وربُّ الآلاف فقيرٌ بالنسبة لصاحب الملايين، فليس في الدنيا فقيرٌ وغنيٌّ مطلقًا!.
*****
* فكلُّ إنسان يستطيعُ أنْ يجدَ مَن هو أفقر منه فيُعطيه، فإذا لم يكنْ عندك إلَّا خمسة أرغفةٍ، تستطيع أنْ تُعطي رغيفًا لمَن ليس عنده شيءٌ، والذي ليس عنده إلَّا أربعة ثيابٍ مرقَّعةٍ، يُعطي ثوبًا لمَن ليس له شيءٌ... وهكذا.
*****
* هذه مقتطفاتٌ من مقالٍ لـ(الشيخ علي الطنطاوي -رحمه الله-) نُشِر عام 1956م، تحتفظُ ذاكرتي بتفاصيله، ومعه أُذكِّر نفسي قبلَ غيري بأهميَّة (الصدقة مهما قلت)، لاسيَّما وقد أصبحتْ أبوابها ميسَّرةً وقريبةً، سواء أكان ذلك عن طريق المنصَّات الإلكترونيَّة المعتمدة كـ(إحسان، وتبرع)، أو (مواقع ومتاجر الجمعيَّات الخيريَّة)، ويبقى هذا رجاء لـ(أهل حبيبتي المدينة النبويَّة)، أنتم أهلُ الإنسانيَّة، فساهمُوا بما تستطيعون في مساندة جمعيَّاتها الخيريَّة وفرقها التطوعيَّة، فهي -والله- مجتهدةٌ وتستحقُّ دعمكم، وسلامتكم.