- دعونا، نتَّفق، أو لا نتَّفق، لكنَّ الشُّهرةَ التي يكتسبها أحدُ الّلزجين الهُلاميَّين عبر طفرةِ وسائلِ التَّواصل الاجتماعيِّ، صارت واقعًا مفروضًا، وإنْ كان مُزريًا، وهي إفرازُ مرحلةِ تغييرٍ عصيبةٍ، وتحوُّلاتٍ اجتماعيَّةٍ مُتسارعةٍ، وحتميَّة الإعلام التِّقني المُذهل والمُخيف، أو المُبتذَل، وهي في الوقتِ ذاته، إشارةٌ قويَّةٌ إلى نوع الثَّقافةِ الاجتماعيَّةِ المُنتشرةِ، ومستوى الذَّوق العامِّ.
- وليست المُعضلةُ في الشُّهرةِ بحدِّ ذاتِهَا، لكنَّها في أنَّ أحدَهم -وقد صارَ مشهورًا حديثًا ومرغوبًا جماهيريًّا- يظهرُ أنَّه من المُضطربين فكريًّا ونفسيًّا وسلوكيًّا، ومع ذلك، يحوزُ على إعجابِ مُتابعين كُثر، يُشجِّعُونه ويُباركُون اعتلالاتِه الفكريَّةَ والشَّخصيَّةَ الواضحةَ للعَيان.. أمرٌ مُرعبٌ، أليس كذلك؟!.
- والشُّهرةُ -في غالبها- نتاجُ انبهارِ الجماهير غير الذَّكيَّة، وهيجانِ القطعان الثَّائرة، وتعبيرٌ عن قدرةِ الدِّعاية المُنفلتةِ على تلميعِ الشّخصيَّة العاديَّةِ أو التَّافهةِ، وهي مجرَّد انعكاس أضواءٍ خارجيَّةٍ حارِقةٍ.. وليست نتاج ضوءٍ داخليٍّ، أو استنارةٍ ناضجةٍ، أو موهبةٍ ذاتيَّةٍ، أو قُدرةٍ فذَّةٍ.. إنَّها مهزلةٌ!.
- الشُّهرة.. كشفُ صدرك للنَّاس ليرشقوك بِسهامِ نقدِهم وأحكامهِم وضغائنِهم وسفهِهم، من غير قُدرةٍ منكَ على صدِّها والدِّفاع عن نفسِكَ. ومهما كانت الإغراءاتُ، لا تُحاولْ أنْ تكونَ مشهورًا أو بطلًا في بيئةٍ؛ معايير الشُّهرة فيها مُختلَّةٌ، وقيَم البطولةِ فيها مُشوَّهةٌ.. عمومًا، جرِّب، والعاقل خصيمُ نفسه!.
- والمُلاحَظ، كلَّما ازدادتْ شُهرتُكَ، وتعرَّف عليكَ خلقٌ كثيرٌ، اضطربت سلوكيَّاتك وتغيَّرت تصرُّفاتك، وخرجْتَ عن كونِك نفسك.. فأعينٌ كُثر تُراقبك فضولًا، تنتظرُ منك الهفواتِ، وتحسبُ عليك الحرَكاتِ والزلَّاتِ.. وأناسٌ جاهزُون للحُكمِ عليكَ والانتقاصِ منكَ في أيِّ فُرصةٍ سانحةٍ.. إنَّ الشُّهرةَ خادعةٌ وليست ذات قيمةٍ حقيقيَّةٍ، فهي تُعطيك انطباعًا بأنَّ النَّاس مُهتمُّون بك حقًّا.. يا للبَلاهة!.
- وفي الآونةِ الأخيرةِ، اشتهرَ أغبياءُ ارتفعَ شأنُهم، وأقزامٌ استطالَ ظلُّهم، ونُـشطاءُ زائفُون، وأثرياءُ مُحدَثون، وفارغُون نرجسيُّون، وتقدَّم أنصافُ المُتعلِّمين، وأصنافُ المهووسين، وانتشرتْ حساباتٌ رقميَّةٌ وضيعةٌ، تروِّج لشخصيِّاتٍ كرتونيَّةٍ، تصرخُ بالقُبحِ والسَّفهِ، وتبعثُ على الشُّعورِ بالغثيانِ!.
- يُحذّرُنا الكاتبُ الفيلسوفُ الفرنسيُّ «بول فاليري» من الانجرافِ مع تيَّارِ التَّفاهة والانحدار، فيقول: (ضع الضَّاحكين بِجانبك، وسينقلبُ بكَ القاربُ ليرمي بكَ معَهم في الابتذال).