(رُبَّ ضارَّةٍ نافعةٌ).. وفي مُحكم التَّنزيل قوله تعالى: (وَالخَيْلَ وَالبِغَالَ وَالحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً...﴾، كانت وما تزال وستبقى، والخيلُ خاصَّة من بين وسائل النَّقل والتنقُّل، ومستلزمات الحرب، وصدِّ العدوان، إضافة إلى مُتعة اقتنائها وتربيتها، والتَّباهي بها في عروض الفروسيَّة.. والفارسُ والفروسيَّة مشتقَّان من الفرس (أنثى الخيل)، ويستحوذ الحصانُ العربيُّ على أكثر جوائز السِّباق لخفَّة وزنه، وسرعة جريه، وحُسن طلعته، وسِمات الذَّكاء في وجهه، وكونه يستوعب ما هو مطلوبٌ منه، فيجري مُسرعًا باتِّجاه الجهة المقصودة، ولا يتوقَّف عن الجري حتَّى يُؤذن له، وليس عن عبثٍ أنْ تأهَّل لحمل البريد المستعجل في سابق الزَّمان وتوصيله بسرعةٍ، مهما بَعُدت المسافات، والعودة إلى إسطبله.
كان ذلك قبل اختراع المركبات، وتعبيد الطرقات، وكان للعرب دورٌ في حفظ سلالات الخيل، وما تزال في إسطبلات الأثرياء الكثيرُ من الخيل معدَّة للتَّصدير إلى مصر، وللبيع للأثرياء من أحفاد الأيوبيِّين، وممارسي الفروسيَّة، ومنها للبيع من شمال جزيرة العرب، وجنوب العراق إلى غزَّة؛ كي تستعيدَ الخيولُ نشاطها وقدرتها على دخول السوق المصريَّة بنشاطٍ وعافيةٍ...!
قد تطول الاستراحة شهورًا عديدةً، فتكون بين راكبيها وبين أهالي غزَّة مصاهرة.. فحسبٌ ونسبٌ تمتِّن وتوثِّق روابط الأخوَّة بين عرب المشرق وعرب ضفاف البحر الأبيض المتوسِّط، ويتعاونُون في السرَّاء والضرَّاء.. وهذا ما يشهده العالمُ هذه الأيام العصيبة التي يتهدد بها أمنُ العالم وسلامه من جراءِ تدخل القوة الاستعمارية الكبرى بكامل عدتها وعتادها في منطقة الشرق الأوسط؛ للاستحواذ على مفصل قارات العالم الثلاث، والتحكم باقتصاد دول المشرق والمغرب كافة.. لكن فات على الكاوبوي، وربيبته الكيان الصهيوني، أنَّ غزَّةَ الفروسيَّة كانت -وما تزال- مقبرةَ الغُزاةِ، وأنْ لا مكانَ في أرضها لمرقدِ عنزةٍ للغريبِ، قاطعِ الطريق، ومزَّور التَّاريخ، ولا موطئ قدمٍ.. كم من (رُبَّ ضارَّةٍ نافعة).. إنَّها حربٌ سجالٌ بين بغالِ الكاوبوي، وأصائل غزَّةَ... واللهُ -جَلَّ وعَلا- يخبرًنَا: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾.