أصبحت السعوديَّةُ -في السَّنوات الأخيرة- مركزًا محوريًّا على المستويين الإقليميِّ والعالميِّ، بقوَّتها الاقتصاديَّة، وعلاقاتها الدبلوماسيَّة المتوازنة، والمنفتحة على العالم، وقد شهدنا في يومي الجمعة والسبت ١٠- ١١ نوفمبر انعقاد قمَّتين، الأولى (السعوديَّة - الإفريقيَّة)، والتي دعت إليها السعوديَّةُ الدولَ الإفريقيَّةَ لتوثيق العلاقات في مختلف الجوانب، الاقتصاديَّة والسياسيَّة والثقافيَّة، حيثُ أطلقَ صندوقُ الاستثمارات العامَّة عددًا من المشروعات الاستثماريَّة، بإجمالي ١٥ مليار ريال سعودي؛ لدعم وتمويل المشروعات في القارَّة الإفريقيَّة. أمَّا القمَّةُ الثَّانية، فقد دعت إليها السعوديَّةُ -أيضًا- قادةَ الدولِ العربيَّةِ والإسلاميَّةِ لوقف الانتهاكات الإسرائيليَّة على قطاع غزَّة، وكسرِ الحصارِ، ووقفِ الجرائمِ الفظيعة التي تنتهجُها إسرائيلُ في حرب الإبادة على غزَّة.
وحقيقةً، تُعتبر هذه القمَّة من أنجح القمم العربيَّةِ والإسلاميَّةِ، فقد سبقتها عشراتٌ من القمم الأُخْرَى.. ولكنَّ الإجماعَ وتوحيدَ المواقف كانا هما السِّمة الغالبة على الاجتماع. وقد افتتحَ القمَّةَ صاحبُ السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، الذي كانت كلماتُه مؤثِّرةً ومدوِّيةً في رفض المملكة القاطع، وإدانتها للحرب الشعواء التي يتعرَّض لها الشعبُ الفلسطينيُّ، وراح ضحيَّتها الآلافُ من المدنيِّين العُزَّلِ، ودُمِّرت فيها المستشفيات، ودور العبادة، والبنى التحتيَّة. بل إنَّ سموَّه أشار إلى فشل مجلس الأمن، والمجتمع الدوليِّ في وضع حدٍّ للانتهاكات الإسرائيليَّة الصارخة للقوانين الدوليَّة، وحقوق الإنسان، وازدواجيَّة المعايير؛ ممَّا يُهدِّدُ الأمنَ والسلمَ العالميَّين.
كما كانت جميعُ تصريحات القادة المتحدِّثين بنفس القوَّة، والنَّبرة المندِّدة بأعمال إسرائيل الوحشيَّة، وأنَّ ما تقومُ به إسرائيلُ من حرب إبادة، وتهجير قسريٍّ يخالفُ كلَّ القوانين والأعراف الدوليَّة. بل إنَّ القمَّة حمَّلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي مسؤوليَّته عن الجرائم المُرتكبة بحقِّ الشعبِ الفلسطينيِّ الأعزلِ، بدعمٍ وتأييدٍ من أمريكا، وبريطانيا، والقوى الاستعماريَّة الظالمة.
وقد تمخَّضت القمَّةُ عن قراراتٍ قويَّةً وداعمةً لحقِّ الشعب الفلسطينيِّ، حيث دعا البيانُ الختاميُّ إلى: كسر الحصار المفروض على غزَّة فورًا، وشجب كلِّ ما تقومُ به إسرائيلُ من أعمال وحشيَّة، كما طالبَ البيانُ مجلس الأمن باتِّخاذ قرار فوريٍّ يُدين تدميرَ إسرائيل للمستشفيات، وطالبَ القادةُ بإجراء تحقيقٍ فوريٍّ في جرائم حربٍ، وجرائم ضدَّ الإنسانيَّة، وأنَّ السَّلامَ العادلَ والشَّاملَ هو الخيارُ الإستراتيجيُّ لضمان استقرار جميع شعوب المنطقة، بل وضرورة إقامة الدَّولة الفلسطينيَّة وعاصمتها القدسُ الشرقيَّة، وضرورة التحرُّك الدَّوليِّ الفوريِّ باسم منظَّمة التَّعاون الإسلامي، وجامعة الدول العربيَّة من أجل وقف الحربِ على غزَّة، ورفض التَّهجير القسريِّ للشعبِ الفلسطينيِّ من أراضيه.
ما جرى في القمَّة العربيَّة والإسلاميَّة أحدث صدى عالميًّا، وتأثيرًا إستراتيجيًّا، في الرأي العام العالمي على المستويين الشعبيِّ والسياسيِّ؛ حتى أنَّ إيرلندا طردت سفيرَ إسرائيلِ في دبلن؛ احتجاجًا على انتهاكاتها؛ حيثُ أصبحت غزَّةُ مقبرةً للأطفال. وهذا ليس كما تدَّعيه إسرائيلُ دفاعًا عن النَّفسِ، بل هو حربُ إبادةٍ. كما أنَّ نائبًا في البرلمان الأوروبيِّ يُدعى «آندى ماكدونالد» قد ندَّد بجرائم إسرائيل ضدَّ الإنسانيَّة، وأنَّ ما تقومُ به إسرائيلُ هو تطهيرٌ عرقيٌّ للشعبِ الفلسطينيِّ، وأنَّ التاريخ سيقاضي الجميعَ على صمته على هذه الجرائم... وغيرها كثير.
ولهذا، كانت القمةُ سبباً لذعر قادة الاحتلال من هذه الوحدة الإسلامية، إذ هي القوة التي يخشاها الكيانُ الإسرائيليُّ، فالسعوديةُ أصبحتْ قطباً عالمياً جديداً تلتفُّ حولها الدولُ، حيث إنَّ قوتها مؤثرة على القرار العربي والإسلامي والإقليمي، وربما العالمي؛ وهو الذي جعل إسرائيلَ تهرولُ وتكذبُ عن طريق متحدثها -في مسرحيةٍ قذرةٍ- أنهم وجدوا تحت مستشفى الرنتيسي بقطاع غزة إثباتاتٍ لوجود بعض الأسلحة، ودرَّاجة هوائيَّة، وستائر بين الغرف، ودورات مياه في البدروم، وأنَّها إثباتاتٌ بأنَّ جنودًا من حماس كانوا هناك، وكذلك ارتكاب فظائع في مستشفى الشفاء بنفس المسرحيَّة، ولكنْ بسيناريو مختلف، وهي أكاذيبُ لم تنطلِ على المُشاهد العاديِّ، بل ظهر الدكتور «خليل الحيَّة» عضو المكتب السياسي لحركة حماس وفَنَّد الأكاذيب، وأوضحَ أنَّ التحقيقَ الإسرائيليَّ مزيفٌ، وطالب بجهات دوليَّةٍ محايدةٍ للتفتيش.
وقد ظهر قادة إسرائيل -رغم كلِّ الإدانات العربيَّة والإسلاميَّة والعالميَّة- وَقدْ بَدت البغضاءُ من أفواهِهِم، ومَا تُخْفِي صدُورُهم أكبرُ، والشررُ يتطايرُ من عيونهم، بإصرارهم على الاستمرار في حرب الإبادةِ، وتماديهم في قطعِ الكهرباءِ والماءِ والوقودِ عن المستشفيات، وترك الأطفال الخدَّج للموتِ؛ نتيجةً لهذا الانقطاع، غير أنَّهم واصلوا تدميرَ المنازل فوق رؤوس أصحابِها. حتَّى النَّاجين النَّازحين من الشَّمال إلى الجنوبِ طالتهم الإبادةُ. ولا يزال -حتَّى كتابةِ هذا المقالِ- الوضعُ الكارثيُّ في غزَّة مستمرًّا، فالجثثُ تعفَّنت في الشوارع، والمستشفيات خارجةٌ عن الخدمة، والمرضى والجرحى يموتُون على الطرقاتِ، والشعبُ الفلسطينيُّ مشرَّدٌ يعاني الجوعَ والعطشَ، والأطفالُ يعيشُون الرعبَ في كلِّ دقيقة.
فهل عرفتم يا سادة مَن هُم الارهابيون؟!، وكيف يجبُ أنْ تتعامل معهم القُوى العالميَّةُ، ومجلسُ الأمنِ، والمنظَّماتُ الدوليَّةُ؟.
غزة والقمة العربية والإسلامية.. السعودية قطباً عالمياً
تاريخ النشر: 21 نوفمبر 2023 23:33 KSA
A A